بعد الأرصاد .. متى سيتم تنظيم عمليات الإفتاء؟

بعيدا عن المقارنة بين المشروعين في مستوى الأهمية والخطورة ـ تنظيم الرصد الجوي ، وتنظيم الافتاء ـ ومع تحفظي على عملية» السلق» التي تعرض لها مشروع قانون الرصد الجوي، أرى ان الحكومة وضعت نقطة الأساس لانهاء حالة الجدل التي كانت قائمة، والمتمثلة بوجود الكثير من» الدكاكين» التي تسوق عمليات الرصد الجوي، سواء اكان ذلك باستخدام معلومات متاحة من مصادر عالمية، وتحليلها واستخلاص بعض النتائج، او السطو على نتائج جاهزة لمراكز معروفة دوليا، والتحايل عليها، والترويج لها على اعتبار انها من انتاج موقع محدد، او شخص بعينه.


فهكذا مشروع متعدد العقد، ويحتاج الى بحث ومعالجة لكافة جوانبه، وبما يتجاوز عملية الترخيص والعقوبات، وفي مقدمة تلك العقد النواحي الفنية التي تحكم عملية الرصد الجوي،والتكنولوجية التي يمكن من خلالها ضبط هذا الملف في ضوء سهولة تسجيل أي موقع الكتروني في أي بلد في العالم، واستخدام الفضاء المفتوح في إيصال الرسالة.

ومع ذلك اعتقد ان المشروع ما يزال في بداياته، ومن المهم جدا التوسع في بحثه وصولا الى صيغة اكثر عمقا، ونفعا، وبحيث لا يقتصر اثره على زيادة القوانين مشروعا إضافيا، اعتمد العامل النظري ولامس الفكرة من بعض جوانبها دون ان يترك اثرا علاجيا يتغلغل في المشكلة حتى جذورها.

غير ان المسالة برمتها اعادت فتح ملفات عديدة اشد خطورة واكثر أولوية من قضية الرصد الجوي، ومن بينها قضية الفتوى التي اتسعت دائرتها بشكل لافت وخطير،واصبح هناك اعتقاد بان ممارستها من حق كل من تم تصنيفه ضمن لقب» شيخ»، او من حصل على درجة الدكتوراه في الشريعة من اية جامعة كانت، ومن حصل على عقد من احدى الإذاعات او محطات التلفزة لتقديم برنامج ديني.

بالطبع تتسع الدائرة، ليصبح الإفتاء وكأنه حقا من حقوق كافة الناس، في ظل غياب المعايير وضبابيتها وصولا الى فتاوى خطيرة جدا اعتقد انها شكلت الأساس لحالة الإرهاب التي تقض مضاجع العالم كله، وسمحت لبعض الاطراف بتوظيف الحالة سياسيا وصولا الى اهداف معينة، وزرعت الفكر المتطرف في نفوس وعقول فئات واسعة من الناس،وفي مستويات أخرى، زرعت نوعا من البلبلة في عقول اشخاص فيما يتعلق بحياتهم اليومية.

لن اتطرق الى بعض الفتاوى تفصيلا، فامام كل متابع لهذا الملف امثلة كثيرة، بعضها يدعو الى الضحك والاستغراب، والبعض الاخر يدعو الى البكاء على ما آلت اليه الحالة.

من هنا اعتقد انه حان الوقت من اجل وضع مشروع قانون لتنظيم عملية الإفتاء، شريطة ان يكون المشروع الجديد عميقا ومتغلغلا في الفكرة الى ابعد مدى ممكن ، وناجما عن نقاشات معمقة وليس « مسلوقا» بشكل سريع.

فالمهم هنا ان يتطرق القانون الجديد الى تحديد المرجعية التي من يكون من حقها ممارسة هذه العملية الحساسة والخطيرة، وتحديد مواصفات من يحق له ممارسة العملية، ومن يحق له ادارتها،والتعيين فيها وممارستها، وبحيث لا تكون العملية خاضعة لقرار سياسي، ولا لحالات فساد في السلطة التنفيذية، وانما محكومة بشروط ومؤهلات تمكن صاحبها من ان يكون قدوة في النظافة والنزاهة بنفس مستوى القدوة في العلم.

فاي خلل في تلك المنظومة، واية شبهة تعتريها، من شأنها ان تفرغ المشروع الذي بتنا بامس الحاجة له من كل مضامينه.