الثلج .. من يلوم من؟

مرة أخرى يدخل الأردنيون – غصباً عنهم - في سجال أحدثته توقعات تكرر سنويا؛ كانوا يرقبون الثلج بفرح وشغف ومديح لمتنبئين صاروا فجأة من المشاهير المحليين، ثم ما لبثوا هؤلاء المدّاحون أن تحولوا إلى جلادين وكارهين.

صحيح أن أياماً قليلة مضت كانت بمثابة محاولة لفرض عضلات ما بين المتنبئين، فمنذ ظهور أول نبأ عن احتمالية تعرض المملكة لمنخفض جوي قطبي، سارعت إحدى المؤسسات المختصة بالقول "إن المنخفض ربما سيحتوي على الثلوج، لكنها لن تكون كالتي شهدها الأردن العام الماضي..."، وكان تنبؤها الأقرب للواقع، أما جهة أخرى فباتت تضرب التكهنات يمنة ويسرة، حتى صارت تتحدث بلغة الغيب. إنك لتعلم أنه من الطبيعي أن تعرض هكذا جهات تنبؤاتٍ معينة حول الطقس، لكن من غير الطبيعي أن تؤكد ذلك، قائلة إنه سيحصل كذا وكذا، بلغة أشبه ما تكون إلى الجزم المطلق، وكأنه علم غيب كُشِف عنه للمتنبئ "الشغوف".

مع تأكيد أن مثل هذه الأمور علمها عند الله، وأنه سبحانه في طرفة عين يغير الوضع من حالٍ الى حال، لكن، يبقى هامش توقع من منطلق علمي جرى تضخيمه وتهويله، حتى عطّل الحياة وشلّ حركة الناس، وأنهك الجيوب والشوارع والاسواق والمخابز.

المشكلة لم تقتصر على خطأ ارتُكب في تهويل الأمر وحسب، بل إن هناك ما هو أكبر من ذلك؛ حجم المواد الغذائية التي تم تكديسها داخل البيوت كأن حربا قامت، ثم أتلفت، لأنها بكل بساطة "لم تؤكل"، هذه وحدهها مسألة أقل ما يمكن وصفها بأنها "بذخ وتبذير" في وقت يموت فيه الآلاف في الشام وفي العالم جوعاً وألماً، والذي يثير الحنق أنك تكاد ترى كثيرا ممن ينتقدون تبذير الطعام واتلافه بعد "المقلب" الذي أُكِلَ، هم أنفسهم من تهافتوا على المخابز والأسواق، فاشتروا وجمّعوا وكدّسوا، ثم أتلفوا وأحرقوا، وهم يقولون "يا حرااام، الذنب ذنب من ..!".

ثم إن نظرت بأفق أكثر اتساعاً، ستجد أن المئات وربما الآلاف من عمال المياومة، باتوا أسبوعهم دون مورد، ودون المقومات الأساسية، لأن اعتمادهم في عيشهم هو على الراتب اليومي الذي يتقاضاونه، فإن هم لم يعملوا في يومهم هذا، فلا نقود ولا مصروف وربما لا طعام.

من طبيعة مجتمعنا أنه، يكيل بمكيالين؛ إن اعلن عن الثلج؛ رقص وهلل واثنى على "المتنبئ"، وإن لم يأتِ الثلج؛ نقم وثار، ونظر إليه بأنه الشيطان الأعظم. إن منع عن الشراء؛ غَضِبَ واستنكر، وإن اشترى وبذّر، رمى حمل الاسراف والإتلاف على غيره.

الملامة ليست على المواطن وحده دون غيره، كما أنها ليست على الجهة المسؤولة عن النشرات الجوية، بل إن كليهما عليه الخطأ، فلا يجتمع أن نحب العطلة، و"القلة والراحة"، ونلقي الطعام والشراب في القمامة، وفي ذات الوقت، نريد استقراراً اقتصادياً، ودخلاً عالياً، وبركة في المعاش، وكما أن المتنبئ لم يضرب أحداً على يده لكي يقدس قوله ويجعل منه "مقرر الثلج والبَرَد"، فهو في ذات الوقت ليس على الدراية المطلوبة ليتحدث بتلك الثقة التي كان يتحدث بها.

في نظري، المشكلة لا تتمثل بشخص ما، سواء كان متنبئا عادياً أو مؤسسة حكومية، المشكلة تتمثل بعُرفٍ مجتمعي قضى بأن يكون في كل فصل شتاء موعد لعطلة أشبه بـ"هبة" من رب الأرض والعباد ورب الثلج "الله"، فلا هو يستوعب ثلجاً بعمل وكد، ولا هو يقدر على القعود من غير كيل التعليقات وإبداء الرأي على كل أمر يحدث في الأردن أو خارجه، سواء مع الثلج أو دونه...!