التنبؤ الجوي بين الفوضى والتقنين

من يقرأ ما يُكتب في مواقع التواصل الاجتماعي منذ إعلان الحكومة تبنيها قانوناً جديداً حول الأرصاد الجوية والتنبؤ الجوي، سيشعر بالضرورة بتعاطف مع الشاب الأردني محمد الشاكر، الراصد الجوي غير الحكومي صاحب موقع "طقس العرب"، الذي –بحسب ما يقوله المعلقون على هذه المواقع- اجتهد وأبدع وتميز عمله بدقة وصدقية أكبر من تلك التي لدى دائرة الأرصاد الجوية، لكنه سيتضرر اليوم من هذا القانون الجديد، ما يعني أننا نبدو دولة لا ترعى الإبداع، بل تحاربه.

في ظل هذا التعاطف، علينا أن نتساءل أيضاً إن كان معقولاً السكوت على فوضى التنبؤ الجوي التي حصلت خلال الأسبوع الماضي، والتي أربكت أعمال كثير من الناس، وجعلتهم غير قادرين على اتخاذ قرار مناسب حول تنظيم مواعيدهم أو ترتيب أسفارهم، فضلاً عمّا تورطت فيه عائلات من شراء وتخزين الخبز والمواد الغذائية، هذا على المستويات الفردية البسيطة، فما بالكم بالمستوى الوطني في قطاعات العمل المختلفة من زراعة وصناعة وتصدير واستيراد وعمل عام وسياحة وغير ذلك كثير؟!

أليس ثمة سبيل للتوفيق بين الجانبين: أن نحافظ على مصالحنا الوطنية وتبعاتها الاقتصادية، في الوقت نفسه الذي نحتضن الإبداع ونباركه ونشجعه؟ هل الجانبان متعارضان حقاً، أم هو مجرد كلام فضفاض يطلق على عواهنه؟ وإذا كان كلاماً فضفاضاً ليس إلا، فلماذا ذهب الناس للاعتقاد أن الحكومة لها أهداف غير معلنة من إصدار هذا القانون التنظيمي؟! وكيف يمكن أن تتصرف الحكومة إزاء هذا الأمر: هل من المعقول أن تقصر في تنظيم أحوال الدولة ومعيشة مواطنيها، حتى لا يقال عنها كذا وكذا، برغم أنها هي أيضاً ستكون ملومة لو سكتت على الفوضى؟

ممثل معروف كتب على صفحتي على "فيسبوك"، تعليقاً على خبر القانون الجديد، إن "القضية تتعلق باقتطاع جزء من الملايين التي تضخ على مركز "طقس العرب" من المنظمات الدولية"، بحسب تعبيره. آخرون كتبوا على صفحاتهم ما يفيد أن الحكومة ضاقت ذرعاً بتفوق الشاكر على دائرة الأرصاد وتريد أن تحاصره، وأنه لذلك سيفرّ إلى دبي، وهناك سيبدع ويجني فوائد مالية كبيرة. المهندس طارق هادي، المنتج التلفزيوني المهتم بالفلك والتصوير والطيران، كتب على صفحته: "أين المشكلة في أن يتم الترخيص للمتنبئ الجوي ضمن القانون، وأن يستشعر المسؤولية الوطنية إذا قرر أن يشلّ بلداً بأهله، ليحقق سبقاً في نقل خبر كان يمكن نشره قبل 24 ساعة من حصوله وبيقين رصدي عال جداً ويحقق نفس النتيجة؟".

حقاً: أين المشكلة في وضع قانون يمنع الفوضى التي حصلت؟ المشكلة طبعاً أن الناس لا يثقون بتنبؤات دائرة الأرصاد الجوية، ويعتبرون أن "طقس العرب" والمواقع المماثلة تتمتع بصدقية ودقة أكبر. هم إذن يعتبرون أن القانون سيكرههم على تنبؤات دائرة الأرصاد، وسيمنع عنهم معلومات أكثر دقة كانت توفرها المواقع الأخرى. يكمن الحل إذن في تحسين أداء دائرة الأرصاد، وزيادة دقة تنبؤاتها، ورفع درجة صدقيتها، وتحسين مستوى خدماتها العامة، وعلاقاتها العامة مع الناس، وذلك ما يبدو أن الحكومة ستذهب إليه وقد رفعت ميزانية الدائرة من 185 ألف دينار في الأعوام الماضية، إلى مليون و700 ألف دينار مرة واحدة في موازنة هذا العام. وهي زيادة كبيرة تعني أن هناك توجهاً لتحسين مستوى تنبؤات الدائرة، بالتزامن مع وقف فوضى التنبؤ الجوي الحاصلة، نتيجة غياب الحساب والعقاب.

تبقى مسألة احتضان الإبداع ورعايته. هل حقاً أن خضوع المبدع للقانون فيه تهديد لإبداعه؟ يمكن لواحدنا أن يكون مبدعاً وواقفاً عند حدود المسؤولية قطعاً، لذا يمكن لموقع "طقس العرب" أن يحصل على الترخيص اللازم، وينطلق في الإبداع بلا حدود، في الوقت نفسه الذي يُحال بيننا وبين الفوضى والإرباك.