تراكم في اخطاء الخيارات الاستراتيجية وتجاهل قراءة تحولات اساسية في المجتمع
بسام بدارين - يرفض الجالسون في مقاعد الصف الامامي لدوائر القرار الاردنية الاعتراف بان مشهد الاستعانة بالبلطجية قبل نحو شهر لفض اعتصام شهير على دوار الداخلية خمد بعده الحراك السياسي انتهى بسلسلة خسائر استراتيجية تتعدى المليار دولار التي فقدها القطاع السياحي بعدما تعرقل الموسم.
ويرفض هؤلاء الاعتراف بأن حادثة الدوار كنقطة تحول دراماتيكية لم تقرأ جيدا بعد حتى داخل مؤسسات الدولة حيث خلقت اشكالات تتعلق باعادة انتاج دور ووظيفة بعض الاجهزة الامنية لصالح اخرى وبولادة صدامات وتنافسات واحيانا خلافات داخل المربع الاستراتيجي في جهاز الادارة.
ويرفضون كذلك الاعتراف بأن الحادثة نفسها انتجت مشكلة جذرية بدأت تعاني منها المستويات الامنية قبل الاجتماعية وهي قوة البلطجية الذين تعملق احساسهم بدورهم بعدما استعانت بهم الحكومة ضد المعتصمين في اكثر من حادثة ومكان قبل حتى ظهور استعراضات السلفيين المسلحين في الشوارع العامة بعد سنوات طويلة من عزلتهم. ومن الواضح ان جلسات تقييم خاصة جدا ومغلقة في بعض المؤسسات السيادية مثل مجلس السياسات ناقشت بعض هذه الخسائر لكن عملية النقاش في الاردن ما زالت تتم في غرف مغلقة وبعيدا عن الاعلام الذي تحجب عنه المعلومات.
وكذلك بعيدا عن مجلس النواب الذي يبحث دون جدوى عن طريقة لمساعدة الدولة والقيام بواجباته تجاهها وتجاه المجتمع بعد ان تم اضعافه قصدا اما بتزوير الانتخابات او بفرض الدولة لرئيس مجلس نواب بالتزكية في خطأ استراتيجي فادح تحدث عنه علنا الوزير والنائب المخضرم الدكتور عبد الله النسور.
ومثل هذه النقاشات التي لا تشترك فيها الفعاليات الوطنية العامة تحدد مساحات التقصير عند بعض المؤسسات والاجهزة والاذرع لكنها لا تساعد في وضع المجتمع بصورة التحديات الاساسية ولا تنتهي بتوصيات تساعد الاردنيين في الحفاظ على دولتهم وان كان النظام نفسه خارج كل حسابات السياسة.
وقصدا وبوضوح تم تجاهل قراءة واقعة الدوار وما اعقبها وطنيا قراءة واعية ومفصلية كما تم تجاهل مشهد تجاذبات عامي 2007 و2008 بنفس الطريقة حرصا على هيبة الدولة علما بان الهيبة في الدول الديمقراطية او التي تسعى نحو الديمقراطية تتحقق عبر آليات النقاش الصريح بالمشكلات والاخطاء مع تحديد المسؤوليات والواجبات.
ولدى بعض النخب المهمة مثل رئيس الوزراء الاسبق احمد عبيدات وجهة نظر في تفسير هذه الظاهرة المتمثلة بتجنب قراءة الاحداث كما تحصل حتى داخل مطبخ القرار فعبيدات يعيد الامر ببساطة شديدة الى عدم وجود من يقرأ اصلا او من يجيد القراءة والتدبير والتفكير في المطابخ التنفيذية بسبب الحرص على صنف محدد من المسؤولين الذين يشبهون بعضهم البعض في غالبية مفاصل القرار.
ويرى المحلل السياسي عمر لطفي سياسات الاقصاء التي يمارسها اركان قرار اليوم لنخبة من اوعى واقدر رجالات الحكم بالامس وتحديدا الذين وجدوا انفسهم خارج السياق والسرب لاسباب غير مفهومة.
وقد كان للسياسي المخضرم عبد الهادي المجالي رأي قريب عندما ابلغ 'القدس العربي' بأن الحكومات اما لا تريد الاصلاح او لا تعرف كيف يمكن انجازه.
ومثل هذا الكلام ينطوي على حقائق مؤسفة في المشهد الاستراتيجي الاردني الذي اصبح تجاهل قراءة الاحداث عندما تحصل من ملامحه الاساسية ليس فقط بسبب عدم وجود شخصيات منطقية قادرة على القراءة والتحليل العميق اصلا في مطابخ الادارة التنفيذية واليومية والبيروقراطية.
ولكن ايضا بسبب عدم وجود مسؤولين في مفاصل القرار يؤمنون بان قراءة الاحداث واجب وطني وخطوة مهمة ويتمسكون بالاسطوانات القديمة في الادارة والتصرف وممارسة الحكم مصرين على تجاهل ما قاله نائب رئيس الوزراء ووزير البلاط الاسبق مروان المعشر عدة مرات وعلنا عندما اشار الى ان ادارة الامور بالطريقة القديمة لم تعد خيارا منتجا.