قانونيون: احالة قضايا الفساد إلى محكمة أمن الدولة يحرم الأردن من المطالبة بمحكومين
اخبار البلد- يخشى قانونيون ومختصون في الشأن القضائي من أن استمرار تحويل قضايا الفساد إلى محكمة أمن الدولة قد يحرم الأردن من ملاحقة الفارين منهم خارج البلاد ويمنع الحجز على أرصدة المطلوبين والمحكومين في الخارج.
ويستند هؤلاء في تخوفاتهم إلى نصوص اتفاقية الشرطة الدولية «الأنتربول» التي لا تعترف بالأحكام الصادرة عن المحاكم الخاصة والمحاكم العسكرية وتعتبر أن شروط المحاكمة العادلة لا تتوفر في هذه المحاكم إضافة إلى أن تشريعات بعض الدول تمنع تسليم المطلوب منها إلى أي دولة تطلب ذلك بالاستناد إلى قرارات محاكم خاصة.
ويسترجع بعضهم ملف قضية بنك البتراء التي عجز الأردن عن تنفيذ الأحكام الصادرة فيها بعد رفض «الانتربول» التعاون مع السلطات الأردنية في القبض على المحكومين في تلك القضية بسبب صدور الأحكام عن محكمة أمن الدولة.
العرموطي
نقيب المحامين الأسبق صالح العرموطي قال أن الدستور الأردني واضح في هذه المسألة من خلال إعطائه الصلاحية للمحاكم النظامية في كافة الأمور الجزائية والمدنية، كما أن المحاكم النظامية هي صاحبة الولاية العامة في جميع القضايا.
وأشاد بقدرة المحاكم النظامية على متابعة قضايا الفساد في ضوء توافر الخبرات والكفاءات القضائية القادرة على التعامل مع هذه القضايا بما يوفر معايير المحاكمة العادلة للمتهمين ويضفي الشرعية على الأحكام الصادرة بحقهم.
وقال ان محكمة أمن الدولة محكمة استثنائية «غير دستورية» وردت صلاحيتها على سبيل الحصر والتحديد، إلا أنه تم التوسع في صلاحياتها، وانتزاع الاختصاص من المحاكم النظامية بصورة شكلت تغولا على القضاء النظامي.
وأضاف العرموطي أن منح رئيس الوزراء صلاحيات تحويل أي قضية اقتصادية إلى محكمة أمن الدولة وتعيين القضاة المدنيين من قبل رئيس المحكمة، والقضاة العسكريين من قبل رئيس هيئة الأركان، يعتبر اعتداء صارخا على صلاحيات السلطة التشريعية والقضائية.
واستذكر العرموطي قرار رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي بانتزاع قضية عطاء مصفاة البترول من المحاكم النظامية وتحويلها إلى محكمة أمن الدولة بعد قرار مدعي عام محكمة شمال عمان تكفيل المتهمين في ذلك الوقت، معتبرا أن ذلك شكل اعتداء على قرار قضائي.
وطالب العرموطي بإلغاء محكمة أمن الدولة، وإعادة صلاحيات المحاكم النظامية بمحاكمة الأفراد المدنيين، معتبرا أن ذلك لا يشكل حصانة للمحكومين فقط وإنما للأحكام القضائية الصادرة بحقهم أيضا.
قضية بنك البترا مثالا
جاء في قرار محكمة أمن الدولة أن خسائر بنك البترا بلغت 233 مليون دينار ، منها 157 مليونا و290 ألف دينار تم اختلاسها من قبل المحكوم أحمد الجلبي وأقرباء له إضافة إلى عاملين في البنك أدينوا جميعا بهذا القرار.
إلا أنه وفي العام 1989 وبعدما أصدرت لجنة الأمن الاقتصادي قرارا بحل مجلس إدارة بنك البترا وتعيين لجنة مؤقتة لإدارته،وصدور قرار بمنع الجلبي من السفر بعشرة أيام فقط غادر المذكور الأردن بطريقة لا تزال تفاصيلها غامضة إلى يومنا هذا.
وتوضح لائحة الاتهام والحكم الذي صدر عن محكمة أمن الدولة أن عدد المتهمين في قضية بنك البترا بلغ 47 شخصا من بينهم الجلبي، وعدد من أقاربه بقي اغلبهم فارين من وجه العدالة ولم تتمكن الحكومة من طلب تسليمهم عبر الانتربول بسبب صدور الأحكام بحقهم عن محكمة خاصة.
ويرى قانونيون أن «تنظيف» ملف بنك البترا واستعادة الأموال المنهوبة منه ومحاسبة من تسببوا بانهياره يستوجب اعادة الملف إلى المحاكم النظامية لإصدار أحكام عادلة تتيح ملاحقة كافة الفارين والحجز على أموالهم في أي مكان في العالم.
قانون الجرائم الاقتصادية
وينتقد القانونيون ما يرونه تعديلات تشريعية وضعت لخدمة أشخاص معينين وللتخلص من عبء قضايا بعينها مشيرين إلى قانون الجرائم الاقتصادية الذي يتيح تسوية القضية المالية من قبل المدعي العام قبل عرضها على المحكمة.
واعتبروا أن الحكومة قصدت بتعديل هذا القانون تسوية قضايا معينة أتهم بها شخصيات رفيعة المستوى.
ويؤكدون أن نص المادة 54 من ذات القانون والتي تتيح لرئيس الوزراء تحويل اي ملف إلى محكمة أمن الدولة بصورة مباشرة يعتبر تعديا على صلاحيات القضاء والنيابة العامة صاحب الولاية –النظرية - في قرار محاكمة أي شخص.
ويعتبر القانونيون أن عرض «التسوية» على متهمين بقضايا فساد يعد بمثابة حافز تشجيعي لبعض الفاسدين على اعتبار أنهم سيكونون قادرين لاحقا على تسوية أمورهم وإجراء مصالحة دون أن يقدموا للمحاكمة.
هيئة مكافحة الفساد
وفي التعاطي مع ملف الفساد «محاكمة ومكافحة» اوجد الأردن منظومة متكاملة من التشريعات التي انشأ بموجب بعضها هيئات ومؤسسات معنية بمكافحة ومحاسبة الفاسدين وتخصص بعضها في رد مظالم المواطنين وأخرى في تعقب القرارات المالية والإدارية لأجهزة الدولة.
فمن هيئة مكافحة الفساد إلى دائرة إشهار الذمة المالية مرورا بديواني المحاسبة والمظالم وليس انتهاء بدوائر التفتيش على اختلاف مسمياتها والمنشأة في مختلف الدوائر والمؤسسات الرسمية.
ابرز هذه الهيئات وأوفرها صلاحية هي هيئة مكافحة الفساد التي أنشئت عام 2006 بموجب قانون وبالاستناد إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها الأردن قبل إنشاء الهيئة بعام واحد.
القاضي الضمور
يقول عضو مجلس الهيئة السابق القاضي علي الضمور ان الهيئة انشئت استجابة إلى الاتفاقية الأممية والهادفة الى تعزيز مبادئ سيادة القانون والمسألة والشفافية وتوفير تدابير فاعلة لمكافحة كافة أشكال الفساد.
وشدد على أهمية وجود الهيئة لإقامة التعاون الدولي في مجال عملها حيث تتيح الاتفاقية الدولية حجز ومصادرة وتجميد العائدات الجرمية الناتجة عن أفعال الفساد وتسليم المجرمين كما تتيح التعاون الدولي في عمليات التحري والتدريب وتبادل الخبرات.
ويؤكد الضمور أهمية دور الهيئة في التحري والتحقيق في قضايا الفساد، خصوصا أن موظفي الهيئة يتمتعون بصفة الضابطة العدلية بوجود مدعين عامين منتدبين من الجهاز القضائي للقيام بأعمال التحقيق.
ويشدد على أهمية تولي مدعي عام الهيئة التحقيق في كافة قضايا الفساد قبل إحالتها إلى المحكمة ويرى أن إحالة أي قضية إلى المحكمة قبل تحقيق الهيئة فيها يعتبر سابقا لأوانه باعتبار أن مدعي عام الهيئة هو الأقدر من الناحية القانونية على تكييف الشكوى بكافة جوانبها.
ويرى الضمور أن إصدار قرارات الحجز ومصادرة الأموال واسترداد الموجودات وتسليم المشتكى عليهم إذا صدرت عن مدعي عام الهيئة سيتجاوز أية عوائق قانونية إقليمية أو دولية إذا صدر عن مدعي عام الهيئة، مشددا على أهمية ترك قرار الإحالة إلى المحاكم لمدعي عام الهيئة – في إشارة إلى صلاحيات رئيس الوزراء بهذا الخصوص-.
وحول امكانية تجاوز عوائق اتفاقية الشرطة الدولية المتمثلة بعدم اعترافها بالمحاكم الخاصة يرى الضمور أن المحاكم المدنية قادرة على التعامل مع قضايا الفساد وانه يتوجب ترك هذه القضايا لها على أن يتولى مدعي عام هيئة مكافحة الفساد المرافعة إمامها وهو ما يتيح تجاوز أي إشكال قانوني يحول دون تفعيل إجراءات تسليم المطلوبين أو حجز الأموال ومصادرتها في الخارج.
المحامي خريس
المنظومة التشريعية في التعاطي مع ملفات الفساد مكتملة بحسب قانونيين، بل يرى بعضهم أنها مكررة في عدد من القوانين وهنا يشير المحامي سميح خريس إلى أن كافة الأعمال التي جرمها قانون هيئة مكافحة الفساد كانت موجودة أصلا في قانون العقوبات.
ويعيد خريس التأكيد على أن المحاكم النظامية اقدر على التعاطي مع ملفات الفساد بما لديها من خبرة قضائية اكبر من المتوفرة في محكمة أمن الدولة وبما توفره من معايير للمحاكمة العادلة بصورة أفضل بحسب المؤشرات الدولية من المحاكم الخاصة.
ويدعو خريس إلى عدم تفويت فرصة الأردن في طلب تسليم المطلوبين والحجز على الأموال أو مصادرتها في الخارج من خلال الاستمرار في تحويل قضايا الفساد إلى محكمة أمن الدولة حيث أن قرارات هذه المحكمة تصطدم بعوائق قانونية دولية.
وزير دولة سابق للشؤون القانونية
وفي سياق تعدد المرجعيات المؤسسية الهادفة لمكافحة الفساد «بشقيه المالي والإداري» يرى وزير دولة سابق للشؤون القانونية أن هناك إمكانية لدمج عدد من هذه المؤسسات في مؤسسة واحدة متكاملة تنشأ فيها دوائر مختصة.
ويلفت الوزير -الذي طلب عدم ذكر اسمه- في هذا السياق إلى أن ديوان المظالم ودائرة إشهار الذمة المالية لا بد من إلحاقها بهيئة مكافحة الفساد بعد تعديل قانون الهيئة لاستيعاب عمل المؤسستين.
ويوضح رأيه في هذا السياق بالعودة إلى الغاية من إيجاد كافة المؤسسات مدار الحديث ويقول أن العنوان العريض الذي يجمع عملها هو مكافحة و محاسبة الفاسدين في شقي هذا العنوان الوقائي والإجرائي.
ويرى أن تعدد المرجعيات قد يكون عائقا أمام أداء هذه المؤسسات لعملها على الوجه الصحيح وأن ذلك قد يمنع استثمار الإرادة السياسية الحقيقة لمكافحة الفساد والتي عبر عنها جلالة الملك خلال زياراته الأخيرة لهيئة مكافحة الفساد وديوان المظالم.
ويشدد الوزير على ضرورة وضع تعريف واضح لشكل المؤسسة الواحدة التي يقترحها من حيث كونها مستقلة أم تنفيذية أم قضائية ويرى أن إلحاقها بالجهاز القضائي هو الشكل الأفضل والأضمن لاستقلالية عملها في ضوء صعوبة ايجاد مؤسسة مستقلة بالمعنى الحقيقي.
وفي السياق، يشير الوزير إلى قانون إشهار الذمة المالية الذي يرى أنه غير ذي جدوى في صورته الحالية والتي تعتمد رواية المكلف بإشهار ذمته فقط عن وضعه المالي دون تقديم أية إثباتات تثبت حقيقة أصوله المالية وهو ما يتيح عملية التلاعب في الإقرار المقدم للدائرة التي تتبع وزارة العدل.
مجلس النواب
وفي سياق ما نصت عليه المواد 54 و55 من الدستور والمتعلقة بمحاكمة الوزراء فيرى ذات الوزير أن تولي هيئة مكافحة الفساد أو أية جهة قضائية التحقيق بقضايا فساد يحتمل تورط وزراء عاملين أو سابقين فيها شكلا من أشكال إهدار الوقت باعتبار أن مجلس النواب صاحب الولاية في قرار محاكمة الوزراء أو منعها.
ويشير الى أن أية تحقيقات مع وزراء تجرى خارج مجلس النواب لا تعتبر ملزمة لمجلس النواب الذي يستطيع التحقيق في أي ملف يقرر التحقيق فيه كما يستطيع صرف النظر عن أية تحقيقات أجريت سابقا.
ويستذكر الوزير في هذا السياق ما عرف بقضية الكابسات التي قال أن ديوان المحاسبة وجهات قضائية قررت وجود شبهة فساد فيها وان وزير بلديات اسبق اخل بواجباته الوظيفية إلا أن مجلس النواب وبعد أن أعاد التحقيق في القضية قرر أنه لم يلحق بمصالح الدولة أي ضرر وأنه لم يكن هناك تهاون أصلا من قبل الوزير المعني فيما يتعلق بواجبات وظيفته وبالتالي تم منع محاكمته.
حاجة لتطوير تشريعي واجرائي
ملخص ما يراه المختصون بالشؤون القانونية والقضائي يدفع باتجاه إجراء إعادة هيكلة للمنظومة التشريعية والمؤسساتية التي تتعاطى مع ملف الفساد في شقيه الإداري والمالي ،على أن يكون تحويل كافة القضايا إلى محاكم مدنية خطوة أولى لا تحتمل التأخير ضمانا لحقوق الأردن ومنعا لتوفير مخرج لتهرب بعض المطلوبين أو تهريب أموالهم إلى الخارج.
ويرون أن تعديل الدستور بما يخفف من شروط محاكمة الوزراء يعد مطلبا ضروريا لزيادة الحماية للمال العام بحيث تمنح النيابة العامة القضائية حق إقرار وجود ما يستوجب المحاكمة من عدمه.
ويدفع المختصون نحو إعادة تعريف هيئة مكافحة الفساد لأبعادها عن التوصيف كمؤسسة تنفيذية تتبع الحكومة وإلحاقها بالجهاز القضائي ضمن صيغة قانونية معينة لتوفير استقلالية اكبر وضمان ممارسة عملها على الوجه الأمثل.
ويؤكد القانونيون أن هناك جملة من التشريعات الأخرى التي تستوجب التعديل في المرحلة المقبلة لتعزيز مفهوم مكافحة الفساد أهمها قانون إشهار الذمة المالية بحيث تكتسب الجهة المختصة بمتابعة تنفيذ القانون حق طلب وثائق من المكلفين بإشهار ذمتهم والأهم أن تكون هذه الجهة قادرة على طلب إيضاحات عن أي نمو في الأصول المالية تبينه إقرارات الذمة المالية المقدمة إليها وهو ما يرون انه سيكون بديلا ملائما عن مطالب إصدار قانون «من أين لك هذا».