ثلج في الجنوب والصقيع في عمان ...

أمس الأول وخلال مكالمة هاتفية قال لي أمين عمان عقل بلتاجي :»نحن مستعدون تماما لمواجهة الثلوج حتى وإن كان ارتفاعها نصف متر»..المهندس ناصر البطاينة مدير منطقة الجبيهة يشهد ويؤكد القول، لكنه؛ ربما لا يعلم «الختيار» بأنني قلت في سري «شبعتونا مراجل في عمان التي لا ثلج فيها» ..


و»مبارح» صباحا، قال لي بكر ابن عبدالسلام الحرازنه شيئا عن مقالتي المنشورة أمس في الدستور، حول اختفاء الزميل تيسير النجار في الإمارات العربية المتحدة، ثم حدثني عن غياب الاهتمام بعواصف الجنوب الثلجية، والاكتفاء بالحديث عنها في عمان، علما أن لا ثلج في عمان، بينما وصل ارتفاعه في بعض مناطق الجنوب الى نصف المتر الذي ذكره البلتاجي متوعدا.

ومنذ «مبارح» الصبح؛ والهمة الاعلامية تتنامى حديثا عن تقصير الحكومة في الجنوب، وعدم تعطيلها للمؤسسات والدوائر الحكومية هناك، بينما تطلب النجدة من القوات المسلحة لفتح الطرقات في محافظات الجنوب !

لنا الله أولا، ثم عبدالله والجيش لنا في الجنوب، ولا حكومات هناك، رغم تصريحات بعض المحافظين عن ارتفاع منسوب الثلج في الطرقات، وإطلاقهم التحذيرات، لكن لا حكومات ولا مستشارين يسمعون..

أنا سعيد بعدم الاهتمام الحكومي بالجنوب، فالاهتمام المتكلف المبني على الفزعات والهمم الاعلامية، هو اهتمام مناسبات لا يحبه الجنوبيون، ويعتبرونه سببا في اختفاء البركة وتضليل الحركة الجنوبية الأصيلة، هذه التي هدفها زراعة الجنوب والشمال والوسط والمناخ العام بأبجديات الحب والوفاء والولاء للوطن، رغم الفقر والنسيان والمحن..

لا خوف على الجنوب ولا حزن حين يضرب الصقيع في عمان، بخاصة والحكومة لا تملك الوقت لتوجيه الاهتمام بمناطق تقع في عين العاصفة، وتكتفي بعمان واستعداد الأساطيل تأهبا و «تحلّفا « وتهديدا لثلج لن يأتي بعد أن شعر بالرعب فذهب جنوبا، حيث ترتفع حرارة الوطن هناك دون تأهب ولا استعداد..

تمنيت لو ضل سائح أجنبي ما عن الطريق في إحدى محافظات الجنوب، عندئذ سوف نتمكن من رؤية الحكومة وكل وزاراتها، حتى وزير الخارجية نفسه سيبحث عنه، وينفق المشاعر لطمأنة أهل وجيران أهل السائح الضال، بأن الجهود تبذل حثيثا وعلى أعلى المستويات لاستعادة السائح المفقود، ثم تخييره بين اكمال رحلته «ع حسابنا» أو العودة الى وطنه وأهله، فتشقع عبر وسائل اعلام متجمدة أغاني وطنية بصوت واحد، تبين البطولات والفزعات الحكومية جنوب البلاد لإنقاذ الزوار .. سيقولون : كل إمكانيات الحكومة مسخرة لخدمة وحماية وسلامة الضيوف.. تماما كما يقول المعزب الجنوبي «الفقير» حين يولم لضيوف مهمين :»عيالنا برا» خلي الضيوف يرتاحوا.

عيالنا برا؛ أعني خارج الرعاية والاهتمام، ما داموا جنوبيين، خلوا الضيوف يرتاحوا..مذهب في الكرم جنوني فوق جنوبيته.
عمان وضيوفها في عين الرعاية والاهتمام، وانكسرت عين المنخفض الثلجي الهادر بالأخبار والتفاصيل التي وصلت حدّ تحذير أهل الزرقاء، فذهب المنخفض الجبان الى الجنوب، ذهابا مؤسفا بالنسبة للطفل الحميدي فارس ابن محمد العميريين، الذي جهز نفسه غازيا للثلج ولم يغز، فهو لم يشاهد الثلج في الإمارات حيث ولد وكان يقيم، وحين عاد مع أهله، فهو عاد الى عمان وسكن فيها، وما زال مدججا بالحماس ليرفل بالثلج لأول مرة، لكنه طفل جنوبي باء بالرعاية الحكومية في عمان ولم يتنعم بلسعات الثلج، الذي اخلف الوعد فذهب الى الجنوب، والطفل لا بد يتمنى لو كان يسكن الآن في فقوع أو الربة على أقل تقدير، فالثلج الضال تم القاء القبض عليه في الجنوب..

أناشد العواصف أن تترفق بالجنوب فهي أكثر رحمة من بعض المسؤولين، وتعلم علم اليقين أن عزائم أهل الجنوب أكبر من وأضخم وأعلى من مرتفعات الجنوب والشمال والوسط، همم كما القمم؛ لا تنوء تحت وطأة نسيان سياسي عرضي أو مقصود..
فهي الهمم التي متى هبت تنوء العواصف الباردة والعواطف التي ترزح تحت الصقيع، وتستحيل دفئا جنوبيا يشهد الأردنيون أنه نور وحق، ووتد أردني ثابت، لا خوف على من تشبث به في الأيام العاصفات ..

حتى العواصف تستحيل طيورا ترفرف وتخفق بطهر الجنوب..