الأرصاد والنقل.. قمة جبل الجيلد وجسده

تضارب الآراء بخصوص الأحوال الجوية من الأمور الشائعة، وإن كانت بالطبع هوامش الخطأ أقل كثيراً مما كانت عليه قبل سنوات، فالتطور التكنولوجي أتى ليعزز من دقة التوقعات ويجعلها في كثير من الأوقات صالحة لدعم القرار، ويبدو أن الحكومة تصرفت بحكمة ولم تسارع باتخاذ أي قرارات بخصوص التعطيل أو الدوام، مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية المواطنين واجهوا ارتباكاً شديداً خلال الأيام الماضية.


المواقع المستقلة تحدثت بشكل أدق عن الوضع الجوي، بينما كانت دائرة الأرصاد تحاول أن تفند ما تقوله المواقع المختصة أكثر مما كانت تسعى للتركيز على التنبؤ والتفاعل مع المواطنين، ومن يدخل موقع الأرصاد الجوية الرسمي سيلاحظ عدم عناية الدائرة مع المستفيدين من خدماتها، فالتقارير كانت تفتقر للتحديث بجانب وسائل العرض التي لا ترتقي لما تقدمه المواقع الخاصة.

بالطبع كانت جولة في المواقع العالمية التي تعنى بالطقس تؤكد أن دائرة الأرصاد تبالغ في تقدير المنخفض الجوي الذي عايشته المملكة، وربما لا يعطي ذلك أي قيمة مضافة للمواقع المحلية في الأردن، والفرق يكمن كله في التباين بين عقليتي القطاعين العام والخاص، فالموقع المستقل سيفقد قدرته على استقطاب التمويل من خلال الإعلانات في حالة فشله المتكرر في اعلان تنبؤات قريبة من الواقع، بينما الحافز ليس متوفراً لدى الدائرة الحكومية.

لا أحد يمكن أن يتحدث لا عن حصر الرصد الجوي بالدائرة في عصر المعلومات وثورة الاتصال، ولا أحد في المقابل يمكنه أن يرهن معلوماته حول الطقس بمواقع مستقلة لا تخضع لقوانين تنظيمية، فالأرصاد الجوية تكتسب مثلاً أهمية جذرية في الحروب، والمرحوم علي عبنده أسس لسمعة مؤسسية متميزة للأرصاد في الأردن أثناء فترات الحرب مع ايران، حيث رفدت الأرصاد الجوية الأردنية الطرف العراقي بمعلومات مهمة كانت تسهم في وقائع المعارك. يجب أن يتعايش الجانبين من متنبئين رسميين ومستقلين، مع التأكيد على مرجعية الدائرة الرسمية ومسؤوليتها التامة واعتبارها المصدر الوحيد لاتخاذ القرار الرسمي، فالمستفيد الأساسي من الدائرة هو الحكومة الأردنية، بينما المستفيدون من المواقع يبقون أفراداً متنوعين وأية قرارات يتخذونها بناء على تقديرات المواقع تبقى ضمن مسؤوليتهم الشخصية، ويوجد قطاع كبير من الأردنيين يعتمدون على تقديرات أحد المواقع العالمية التي ترتبط أصلاً مع الهواتف النقالة، ويعتبرونها عنصراً أساسياً في تقدير قراراتهم بخصوص السفر أو الخروج لرحلات، أما المصدر الأساسي للدولة فهو دائرة الأرصاد مع التأكيد أنه لا يمكن بحال الوصول الى حل نهائي بخصوص دقة التنبؤات، فربما تكون الدائرة الرسمية أكثر دقة في التعامل مع فترة معينة، بينما تكون المواقع المستقلة أكثر صواباً في مرحلة أخرى.

يجب ألا تطغى حرب الأرصاد والتنبؤات التي حدثت على مشكلة رئيسية في الأردن، وهي مشكلة النقل العام، ففي النهاية فإن من يدفعون ثمن عدم الوضوح في القرارات الخاصة بالتعطيل أو الدوام هم من صغار الموظفين الذين لا يمتلكون سيارات، أو الموظفين الذين يمتلكون السيارة دون أن تكون مجهزة للتعامل مع ظروف جوية استثنائية، وفي جميع الأحوال يجب أن يكون التعاطي الرسمي والحكومي أكثر حيوية ومرونة في التعامل مع هذه الظروف، وأن تسهر الحكومة لتتابع ساعة بساعة مع التحديث المستمر بواسطة وسائل إعلامها الرسمية، لا أن تكتفي بمجرد تصريح لتخلد بعده إلى النوم وتترك المواطنين ضحية لتراشق المتنبئين على ايقاع التسخين في مواقع التواصل الاجتماعي.