مبالغات وفوضى وهلع

لا يمكن أن يقع السلوك الاستهلاكي لأغلب المواطنين الأردنيين في خانة الرشد، لاسيما خلال التغيرات الجوية وفي أوقات العواصف الثلجية. فهو سلوك مرتبك، ينطوي على قلق فردي ومؤسسي، ينتهي على شكل خسارات تشمل حلقات الاقتصاد بكل تفاصيلها.

قبل العاصفة الحالية بثلاثة أيام، اشترى المستهلكون 80 مليون رغيف خبز، فيما عمدت المخابز إلى شراء 20 ألف طن طحين. وهناك مستهلك واحد اشترى من مخبز في صويلح بقيمة 20 دينارا أي ما يعادل 120 كيلوغراما! والحال ليست أفضل بالنسبة للمواد التموينية؛ إذ تضاعف الطلب عليها في فترة قياسية سبقت المنخفض الحالي، حتى إن بعض مخازن المحال التجارية والمنافذ الكبرى أمست فارغة في ظل اشتداد الطلب في الساعات الأخيرة التي سبقت المنخفض.

في الأثناء، تطاحنت الأخبار فيما بينها، خصوصا بين تلك التي تمثل وسائل إعلام الحكومة ومنافستها الخاصة، فبدا الأمر وكأنه صراع على معلومة "العاصفة" بين قطبين كل منهما يسعى إلى تكذيب رواية الآخر. كما ارتفعت درجة الجاهزية والحديث عن "حالة طوارئ قصوى" لعدد من المؤسسات الخدمية، وعطل العمل ومثله الدراسة في عدد من المؤسسات والمدارس والجامعات، وبقيت أخرى على حالها من دون أي تغيير، وشكلت الفوضى في المعلومة والقرار الملمح الأبرز الذي رافق الحالة الجوية التي مررنا بها، كما مرت بها دول أخرى مجاورة.

السلوك الاستهلاكي سلبي في معظم تفاصيله، يرافقه سلوك رسمي مرتبك لا تطمينات فيه ولا وضوح، رغم أن رصد الحالة الجوية يقع في باب العلم لا التنجيم. وبين الحالتين الشعبية والرسمية، يموج الاقتصاد تحت تخبط الطلب وغلاء الأسعار والازدحام في محطات المحروقات والمخابز والمحال التموينية. ولا أعتقد أن ثمة جدوى من تكرار مثل هذا الفزع في كل عاصفة ثلجية، وقد رأينا أن المواطنين أصبحوا يوم أمس على أوضاع جوية لا غرابة فيها ولا صعوبات، بخلاف ما ذهبت إليه التحليلات والتخمينات.

هذه المبالغات من معظم الأطراف، على صعيدي الشعب والمؤسسات، تجعل الاقتصاد في مهب رياح طلب غير مستقر، وينتهي الأمر بالاقتصاد لأن يكون رهينة للاشاعات والفوضى والقلق.

في عاصفة ثلجية سابقة، أدى هوس الطلب على الخبز إلى إلقاء نحو أربعين مليون رغيف خبز في حاويات القمامة، كما أكد نقيب أصحاب المخابز عبدالإله الحموي، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب اشتداد الطلب عليها. وهو ما يعني أن الرهان على السلوك الاستهلاكي السلبي كلما اشتدت الأحوال الجوية وتبدلت، سينعكس سلبا على تفاصيل الاقتصاد ومعادلة العرض والطلب. ومن المعيب فعلا أن يكدس شعب تصنف شرائح كثيرة منه على أنها فقيرة، ملايين أرغفة الخبز في حاويات القمامة!

علينا أن نراجع أنفسنا في سلوكنا الاستهلاكي، كما على الحكومة وأجهزتها ومؤسسات الإعلام العامة والخاصة، أن تكون أكثر وضوحا ونزاهة ومصداقية في التعامل مع التغيرات الجوية، وأن تتجنب المناكفة والتهويل واللعب على غرائز الخوف لدى العامة.