يتيم، مجهول النسب، لقيط.. لا خلاف إذا كان الرقم الوطني موجع "******200022"

ما كنت أتمناه حقا طيلة أيام حياتي ان أنتمي لعائلة، عائلة صغيرة، أمّ فقط تكفي، ان أنام وأنا أفكر كيف سأقضي وقتي باللعب غدا لا البحث عن كسرات خبز جافة على أسوار المدارس، والمباني الحكومية، وفي الطرقات المؤدية لسوق المدينة، وكيف يتوجب عليّ ان أتبع أحدهم حتى يفرغ من أكل شطيرته ويضعها جانبا لأتولى أمر أكلها وسدّ جوعي. ان أتقاضى مصروف دار الرعاية دون ان يأخذه مني موظفي الدائرة غصبا هؤلاء الذين يدّعون الفضل باحتوائنا وتعويضا عن النقص وهم يمارسون شتى أنواع العنف والإهانة والتحقير بحقنا، مطلبي مبكٍ للغاية ولا صدرُ يمكنه لمّ دموعي والتربيت على ظهري .

في دار الرعاية تحديدا من السجل الأسود الكبير سحب ملفي هذا اليوم بداعي أنّي وصلت للسن القانوني، وبعد ان أغلق الملف لنيّة إكمال الأوراق وختمها كانت تلك العبارة مكتوبة أسفله بخط أسود واضح " مجهولي النسب"، ليعمروا لي جسرا لعبور الحياة بأحبال دون قطع خشب، بأحبال مهترئة .

خرجت من دار الرعاية دون ملابس أو مال، دون بيت، أسرة، أب، أم، دون ذات. برقم وطني مشوب بكلّ الشكوك، برقم غريب ونكرة، بأسماء وهمية ونسب مجهول، مجهول لداعٍ واحد فقط أني كنت قبل 18 عاما لقيط في أحد شوارع هذه المدينة ومن الممكن ان تكون جذوري من خارجها أيضا.

على هذه البسيطة مثيرات للاشمئزاز والعديد من المغريات الحيّة والتي تسهم بحملنا لعالم الموت؛ نظرات المجتمع ونفور الجميع منّا، فقرنا وحاجتنا للمال، إهانتكم لنا والنظرة العصبية المتطرفة المشمئزة من وجودنا وكأننا جبلنا بالسوء، تجاهلكم لوجودنا وانسحابكم في كلّ مرّة نقترب فيها منكم لكي نلمس معنى الإنسانية... معنى البشرية، استهتاركم بنّا تجاهلنا الغياب عن السؤال عنّا إذا كنّا انتهكنا عذبنا اغتصبنا عنفنا، اذا كان الكون قد ساقنا لطرق الانحراف للعربدة للسرقة لبيوت الدعارة للمراقص الملاهي تهريب الأموال القتل، حاجتنا لكل شيء لنظرة تخلوا من الشفقة، نقصنا وانتقاصنا، حياتنا التي شُملت ضمن "وقف التنفيذ" التي عدت وقفا لسبب واحد أننا مجهولو النسب. حتى ان الأخيرة باتت معيق لأبناء المجتمع، معيق يزعجهم وبشدة، معيق يمنعنا من الحبّ العمل الاستمرار حتى البكاء.

مؤسسات حقوقية ترتقي في المجتمعات، تصبح المطالب ضخمة تحقق انتشارا واسعا، لكنّنا نحن من نغيبُ ونُغيّبُ عن المشهد بفعلكم أنتم، نصفع بالألم بيدكم أنتم، نحمل مالا طاقة لنا منكم أنتم، وفي النهاية عندما تتحرك ضمائر بعضكم تصبحون جميعا مساكين وغير عالمون مستضعفون لا تستطيعون، من يحمل ذنبنا نحن المربون؟ مديرو دور الرعاية؟ أم ان الحكومات هي من تحمل ذنبنا؟

إهانة وإذلال في مؤسسات رعاية الأيتام، تعنيف لا مجاهِر تريكم إياه، وشوارع موحشة تلم الأجساد في عمر الزهور التي ترمى تحت الأمطار في الصقيع دون بيوت ولا حتى ملابس دون مال، وأجسام تستغل من قبل الذئاب بحجة ان "النسب مجهول"، فكيف سنطيق الحياة. برقابكم نحن حتى يوم القيامة...

#رسالة مني أنا صاحبة هذ النص بكلّ ما تحملون من إنسانية ، وما تقتضي ضمائركم الحيّة على فعله؛ حاولوا مساعدة الأيتام.. مجهولي النسب.. اللقطاء، لا فارق في التسمية. هنالك مؤسسات عديدة مغيبة إعلاميا تدعم هذه الفئة تحديداً ولا دعما مجتمعيا يصب لصالحها. لكلّ المسؤولين وجميع الأغنياء وحتى الموظفين لا تتغيبوا هؤلاء بذمتنا حتى الممات.