هل يفنى النفط قريباً أم ينهزم؟
مرت البشرية خلال بضعة الآف من السنين في عدة عصور كان الإنسان يقبع في كل منها دهرا من الزمن لكن العقل البشري كان ينفلت دائما من عقاله ويطمح إلى ما هو أفضل في تحسين واقع الحياة بمغادرة عصر إلى آخر.
ما يلفت أن الإنتقال بين العصور لم يكن بسبب نقص أو فقد مادة العصر المهمة في حينه فقد ذهب العصر الحجري دون أن تنتهي الحجارة ولم نعبر من عصر البرونز إلى عصرالحديد إلى عصر الفحم بإنتهاء أي منهم لكن الإنسان بقي يبحث دائما عن البديل الأمثل في الوصول إلى حياة أفضل.
في العصر الحاضر لم ينتهي الفحم في حياتنا لنبدأ في استخدام النفط الذي عرف منذ القرن التاسع عشر وبدأ التوسع في إنتاجه منذ الثلث الأول من القرن العشرين.
لقد كان لأمتنا نصيبٌ هام من السائل الأسود وإن لم يكن لها يدٌ في اكتشافه أو استخراجه أو تحويله بل عملت على ذلك شركات أجنبية كبرى سميت وقتها ب"الأخوات السبع" وكانت تقاسم الدول في هذه الثروة الجديدة.
لا ينكر أحدٌ القيمة الحيوية للنفط في صنع نهضة اقتصادية واجتماعية في دول النفط نفسها بل في غيرها من اقطار العرب من خلال استقطاب أعداد كبيرة من العاملين وكذلك تقديم المساعدات المباشرة لكن لم يمنع ذلك من ظهور بعض السلبيات التي رافقت المرحلة وربما لم تستطع الأمة أن تتعاطى مع هذه السلعة كمادة استراتيجية من حيت الإنتاج والمخزون ودالة ما أقول يتمثل في إنتاج فائض دائم بسبب الخلافات المستمرة بين عرب النفط (أوابك) أو داخل المنظمة الأشمل (أوبك).
كانت اسعار النفط في أغلب الوقت يحكمها سياسة السوق ونظرية العرض والطلب فضلا عن التنافس بين الأعضاء في أوبك وخارجها من اجل جني الثمار والأرباح سريعا.
حاولت الدول المنتجة أن تفيد من الطفرة النفطية في مراحل متباينة فأنشات البنى التحتية ونشطت القطاعات الاقتصادية وزادت الرفاهية الا أن ما يؤخذ عليها أن اقتصادها بقي يعتمد على النفط وحده –تقريبا- حتى أنتبهت مؤخرا فبنت صناعات موازية ونوعت مصادر الدخل وانشأت صناديق سيادية استثمارية.
من ثلاث دولارات للبرميل في الستينات إلى مئة وسبعة وأربعين دولار كقمة سعر تاريخية يصلها برميل النفط في عام 2008 ليهبط إلى أربعين دولار في أواخر العام نفسه بقيت الأسعار تتقلب هبوطا وصعودا تبعا للمعروض من المادة وظروف المستهلكين وتقلبات الفصول ونشوب النزاعات بل أن النفط نفسه اشعلها في أكثر من مكان واليوم تطيح إلى مستويات قياسية لكن الأمل بارتفاعها في وقت قريب يبدو بعيدا.
حاول العرب ذات يوم أن يستثمروا هذه المادة استراتيجيا أو كسلاح في وجه من يقف مع اسرائيل ولما كانت الأمور غير محسوبة تماما فضلا عن الخلافات حول مدى وأهمية ذلك فقد انتبه الغرب إلى إنه لا يمكن أن نسلم اعناقنا لمن يتحكم بمصدر طاقتنا وماكينة إنتاجنا.
بدأ الغرب العمل حثيثا في البحث عن مصادر بديلة للطاقة وتعددت الأبحاث حول الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح ونفط بحر الشمال وإنتاج الغاز واستخدام غاز الهيدروجين ولم يركنوا بعد إلى ما وصلوا اليه.
لكن هل نحن مقبلون على عبور عصر النفط إلى غيره في غمرة وجوده لا فقده؟ مثلما أن كل عصر انتهى بوفرة مادته يمكن أن يحصل ذلك مع الذهب الأسود فامّا أن ينتهي المخزون منه قريبا خلال عقود قليلة من الزمن ودالة ذلك هو الانتاج الفائض عن حاجة العالم والمقدر ب80 مليون برميل يومياً مرشحا للزيادة أو بطريق أخر هو أن يفقد بريقه أمام مصادر بديلة لطاقة نظيفة وصديقة للبيئة بدلا من مادة أرعبت العالم واثارت فيه النزاعات ولوّثت البيئة حقبة من الزمن.