الداخلية وتصحيح المسار

حين بدأ العالم يميل إلى الاستقرار أصبحت لكل دولة حدود خاصة بها تحدد مساحتها وحرية حركتها من خلالها ، وتطورت المفاهيم التي اعتمدت عليها الدول في الإعلان عن وجودها ، وأصبحت للدولة أجهزة تنظم إيقاع العلاقات التي تعكس صورتها الحضارية والسياسية الداخلية والخارجية ، وأهم جهازين ظهرا في هذا المجال هما وزارتا الداخلية والخارجية ، ولكل منهما دور خاص بها لتنظيم إيقاع الحياة داخلياً وإيقاع العلاقة خارجياً . 


عندنا في الأردن وعت وزارة الداخلية لهذا الدور الوظيفي الأمني الذي يهم كل مواطن ، من خلال تنظيم العلاقات بين المواطن وأجهزة الدولة ، ولا نستطيع القول إن كل ما يجري هو حضاري لكننا نستطيع القول ان هناك إشارات جديدة تدل على على الرغبة الصادقة لتصحيح المسارات بما يواكب تطور الحياة ويوافق دولة القانون وما يتم النظر اليه حول مسألة الاختيار للوجهاء والشيوخ واعتمادهم من خلال قدرتهم المؤثرة على تحقيق تؤمة العلاقة ما بين الحكومة والشعب وفهمهم لطبيعة دورهم حتى تنمكين الدولة من حماية الفرد حسب ما ينص عليه القانون ومن غير ان تلغي الجميل من اعرافنا التي تُعاضد المجتمع تقيم االتراحم والخير والاحسان؛ وما أقره بالأمس وزير الداخلية حول الأخوة الغزيين دليل على ما نذهب إليه من مصداقية التعامل بروح القانون وبما يتناسب وطبيعة العلاقة مع هذه الفئة القريبة من الهم الجمعي للمواطن الاردني ، وإذا كانت هذه اللفتة جاءت بالأمس فهناك ما يدل على منهج سليم لرجل مسؤول يوازن بالمنطق ما بين حق الدولة وحق افرادها وما اقره بموضوع الجلوة التي كان من المقرر بها اجلاء ابناء العشيرة حتى الجد الخامس وممن لا علاقة لهم بالامر وحصرها بالجاني وحده وبمن هم في دفتر عائلته فقط ، هو ما يقدره وما يتفق عليه اهل الحكمة من رأي سديد ، ونحن نرى أن رجالات العشائر الذين كانت لهم باع طولى في فض الخلافات والنزاعات الاجتماعية ودور كبير في مساندة أجهزة الأمن ووزارة الداخلية تحديداً ، فإن الأمر الآن قد اختلف بعض الشيء بالنسبة لهذا الدور ، مالم اقل ان القائمين على تنفيذ هذا الدور الوطني الكبير قد اختلفوا. 

نعم ، قام رجالات العشائر في السابق بدورهم الوطني الذي نحترمه ونقدره ، وهم جميعهم ذوو خبرة في مجال المصالحة الاجتماعية ، وذوو فهم للاعراف والقوانين المرعية في هذا الوطن ، لكن ما نراه اليوم من دخول أشخاص أقل خبرة وأقل دراية في هذين الموضوعين قد يسيء إلى الدور نفسه ، ونحن نعلم أن النوايا الصادقة موجودة ، لكن المعرفة غائبة ، فماذا يعني أن يقوم رجل مثقف بإجراء عملية جراحية بنوايا صادقة وهو لم يدرس الطب ، هذا هو ما يحصل ، فالنوايا الصادقة وحدها غير كافية للتحرك في عمل ما ، إننا بحاجة إلى معرفة ، وإلى دراية ، وليس مهماً أن يرث الرجل عبائة ابيه أوسرج حصانه الذي لا يستطيع ان يمتطيه ؛ المهم أن يرثه في أخلاقه الحميدة التي نشأ عليها ليكون شيخأ جليلأ ومعلمأ ووجهيأ في مدرسة ادب السلوك .