سماسرة الليبرالية الجديدة !!

لا يعادل تحالف التاريخ في ذروة جنونه مع الجغرافيا الا التزامن الدراماتيكي بين شحوب الفكر القومي وأفول الماركسية، حيث ولد هذا الفراغ الذي كان لا بد للطفيليات ان تملأه، وما كان للتطرف ان ينمو ويتمدد لولا ما نشأ من فراغ في العالم في نهايات الحرب الباردة، فاليسار في العالم بدل اولوياته وبالتالي بدل اعداءه كذلك؛ فتحول خندقه من التاريخ الى المناخ والبيئة، واصبح تبشيرا بحقوق الإنسان بمعزل عن الصراعات الطبقية والاجتماعية، والتوحش الرأسمالي الذي حوّل الانسان الى مجرد رقم او سلعة .

ومن ألفوا كتبا عشية احتلال العراق يودعون فيها العروبة والفكر القومي سقطوا في تناقض لم يدركوه ولن يدركوه، وهو انهم من حيث يعلمون او لا يعلمون منحوا نظما واحزابا معينة امتياز تجسيد العروبة؛ لان سقوطها كما يتصورون هو سقوط المشروع الحضاري والفكري .

وكان السباق الماراثوني لنعي العروبة بمثابة انتحار قومي وتاريخي؛ إذ سرعان ما تم تهميش قضايا مركزية ومصيرية كالقضية الفلسطينية التي تقلصت الى مساحة فلسطين فقط او ما تبقى منها رغم انها كانت ذات عروبة بمساحة الوطن العربي وتخطته الى المساحتين الاسلامية والعالمية، ولأن التاريخ له فيزياؤه ايضا ولا يطيق الفراغ ، فقد سارعت قوى اقليمية لملء الفراغ، واصبحت ضواحي الوطن العربي وخاصراته رخوة الى الحد الذي يسمح بتسلل جماعات متطرفة تسعى الى اعادة انتاج الماضي بلا ادواته، وفي زمن مغاير تماما تبدلت فيه انماط الانتاج والتفكير والسلوك .

اننا ندفع الان ثمن تلك المراهقة السياسية التي حاولت استثمار سقوط احزاب قومية، لتقول، بأن التاريخ انهى صلاحية كل ما له صلة بالمشروع القومي، وهكذا تشكلت طبقة جديدة من الكومبرادور الاقتصادي والثقافي وسماسرة الليبرالية الجديدة، لكن هؤلاء سرعان ما اكتشفوا وبعد فوات الأوان انهم كالغراب الذي فقد المشيتين، مشية الحمامة التي.