عن الكتابة


لم تكن الظروف ولم تكن المشاغل وحدها ، التي منعتني من الكتابة في الأيام الماضية ، وليس ضياع الأفكار وتشتتها ، ما منعني بشكل دقيق هو حالة من الغضب وحالة أخرى من القرف وحالة ثالثة من الملل.

منذ سنوات ونحن نكتب مقالات متشابهة في كل شيء وفي أي شيء ، نكتب بحروف الوجع ونزين الجمل بعلامات ترقيم من الألم ، نبدأ بمقدمة هزيلة تشبه أكتافنا وننهي مقالاتنا بجمل أشبه بالمقطوعات الحزينة والموجعة.

منذ سنوات نكتب بحرقة ونصيح بمرارة ولا أحد يسمع كما لا أحد يقرأ ، نشير إلى دماملنا ولا أحد يلتفت ، كتاباتنا صارت فراغا يحلق في فراغ ، وصوت صفير قطار المستقبل الذي لا يتوقف في محطاتنا البائسة يسير بقوة فيغطي دخانه الكثيف على أحلامنا.

منذ سنوات نكتب عن الفساد وكأننا نكتب عن أناس من الفضاء ، أو ربما نكتب عن حضارة بائدة لم يعد لها وجود ، وفي كل مرة نكتب فيها يزداد العفن على أطراف الطريق ويجحرنا الفساد بأعينه الوقحة قائلا " غصبا عنك باقي" وكأنه ثأر يتفشى في أوصال الشرفاء ويتمادى على عورات البلد مستبيحا الأحلام والأمال ولقمة العيش الكريم.

وها أنا أكتب اليوم ... لا من فراغ ... ولا من فسق ... ولا من زهق ... ها أنا اكتب اليوم من قلق ... ومن اختناق وحشرجة.

وسأكتب ... وسأبقى أكتب ... إلى أن يصير الورق منجنيقا ... وتصبح الحروف سهاما .

سأكتب عنكم أيها الفاسدون ... يا استثناء العمر ... ويا غلطة الزمان ... يا كمبرس الحياة ... يا وهم الحقائق.
سأكتب عن حقنا المسلوب .... فنحن أصحاب الحلم وأصحاب الدار.