وزراء الداخلية العرب في البحر الميت .. انها المسؤولية التاريخية اذن؟!

لا يوجد ملف ساخن يمكن ان يناقشه وزراء الداخلية العرب في مؤتمرهم الذي سيعقد بعد يومين في البحر الميت الا ملف «الاحتجاجات» الشعبية التي اجتاحت الشارع العربي منذ اكثر من ثلاثة اشهر.

 

هذه –بالطبع- الدورة الثامنة والعشرون التي ينعقد فيها مجلس وزراء الداخلية العرب الذي تحتضن «تونس» امانته العامة، وفي المعلومات ان دولا عديدة من يبنها مصر وتونس قد اعتذرت عن استضافة المؤتمر، وان وزراء الداخلية في معظم الدول العربية سيشاركون في هذا الاجتماع الى جانب وفود امنية ومندوبين عن الامم المتحدة وجامعة الدولية العربية واتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي، حيث يتضمن جدول اعمالهم «المعلن»: «تعزيز الامن العربي، وعلاقات التعاون بين الدول العربية في المجال الامني».

 

في نص3 البيان الذي اصدرته الامانة العامة للمجلس تفسير طريف لمعنى المشاركة العربية الواسعة في هذا الاجتماع، فهي تعبر –كما ذكر البيان- «عن مدى الشعور الكبير بالمسؤولية التاريخية التي يتحملها وزراء الداخلية العرب في هذه الظروف التي تجتازها الامة العربية.. في اشارة مفهومة الى «الاحتجاجات» الشعبية وما حدث من تحولات وثورات في بعض الاقطار العربية.

 

لا ادري –بالطبع- كيف يمكن لوزراء الداخلية العرب ان يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية في هذا الوقت تحديدا، وما هو المطلوب من «الداخلية» العربية وما يتبعها من اجزة امنية لمواجهة الاحداث الراهنة، لكن يمكن ان نقول من التجربة ان اخواننا الوزراء لا يملكون الا «الحل» الامني للتعامل مع هذه الظروف، وقد رأيناه في معظم عواصمنا العربية، ابتداء من تونس الى مصر الى اليمن وسوريا وغيرها من اقطارنا التي عصفت بها رياح «الحرية»، ومن اسف انه كان حلا فاشلا بامتياز، لدرجة ان صورة «الامني» التي سقطت في ميدات التحرير بالقاهرة ما تزال ماثلة في ذاكرتنا، كما ان حبيب العادلي ورفيق بلحاج وغيرهما من المسؤولين الامنيين في مصر وتونس ما زالوا «شهودا» يذكروننا وهم خلف القضبان بالدور الذي يمكن للامني ان يقوم به في مثل هذه الظروف، طبعا في اطار «المسؤولية التاريخية» التي ذكرناها سلفا.

 

اتمنى –بالتأكيد- ان تكون هذه التجارب حاضرة على اجندة اخواننا وزراء الداخلية العرب وهم يجتمعون بعيدا في البحر الميت لمناقشة «زلزال» الاحتجاجات الشعبي، والتماس ما يحتاجه من معالجات وردود وحلول، كما اتمنى ان يخرج هؤلاء من «الملفات» القديمة التي اشغلتهم عن رؤية واقعهم، وان يتجاوزوا مهمة «التغطية» على اخطاء السياسة ومحاولة تزيينها وتبرير افعالها.

 

من المفارقات ان تونس كانت البلد الذي احتضن مقر واجتماعات وزراء الداخلية العرب فيما مضى وان التعاون «الامني» بين الدول العريبة كان اهم «ملف» ناجح من بين الملفات العربية المزدحمة بالخلافات، ومن المفارقات ايضا ان مهمة ادارة «الازمات» في معظم بلداننا تتولاها وزارة الداخلية واجهزتها المختلفة كما ان منطق تعاملها يبدو متقاربا جدا لدرجة انه يمكن لنا ان نقرأ بوضوح مسارنا السياسي على كافة الجبهات من خلال ما يتقرر في هذه المؤتمرات وما يخرج عنها من تصورات.

 

رغم انني ما زلت ابحث عن «الحكمة» في استضافة هذا المؤتمر وعقده في «البحر الميت» بعد ان اعتذرت اكثر من دولة عربية عن ذلك، واتمنى لو جرى الغاؤه، لكنني لا املك الا ان ادعو المهتمين بان يقرأوا بعيون مفتوحة ما سيصدر عنه من قرارات «لتعزيز الامن العربي» على امل ان تكون هذه القرارات للدفاع عن الشعوب هذه المرة لا عن انظمة الحكم فقط.