كلمات الإقليم المتقاطعة..

ما الذي تعنيه مصالحة تركية–مصرية؟ المصريون ينفون وجود الوساطة التي تباينت الاخبار بخصوصها فكانت سعودية في بعض المصادر وقطرية في أخرى، ولكن التصريحات المصرية حملت ترحيبا ضمنيا بخطوة تركية خاصة أن سقف مطالبهم ينحصر في الاعتذار التركي وهو أمر شكلي يمكن تجاوزه خصوصا أن رئيسي البلدين يمتلكان هامشا واسعا للتصرف في ملفات السياسة الخارجية.


خبر آخر تضمنه الخبر الأول ويستحق كثيرا من الالتفات وهو الحديث عن وساطة قطرية، وفي حال كان ذلك صحيحا فيجب النظر بجدية لخريطة جديدة من التحالفات كان أحد فصولها يكتب في لبنان مع مفاجأة عون–جنبلاط، فالذي يجمع اليوم أعداء الأمس في لبنان لا يمكن أن يكون صحوة ضمير متأخرة من ساسة لبنان كما من الصعب تصور أن استفاقة مفاجأة جعلت تقاربا مصريا تركيا أمرا محتملا اليوم ومرحبا به في القريب العاجل.

إيران قلبت الطاولة وأعادت العالم أربعين عاما للوراء فهل يستعيد الفرقاء مواقعهم السابقة في مرحلة الحرب الباردة؟ غالبا لم تكن كثيرا من معالم المنطقة السياسية إلا استجابة لوقائع توازنات القوى العالمية، ولم يكسر نواميس ذلك إلا الرئيس السادات الذي اعتقد أن بإمكانه أن يدخل نزعته الدرامية ليؤدي دور البطولة على خشبة مسرح الشرق الأوسط.

الأردن لن يخسر كثيرا من تقلبات المنطقة الأخيرة، فثمة ثمن باهظ دفعه الاردن لتجنب التورط في اي مغامرة على حدوده وتجنيب الشركاء الرئيسيين الدخول في مغامرة كان يمكن أن تتحول إلى مواجهة إقليمية واسعة، وبعد سنوات لا يتوقع لكل هذه المناقلات أن تدفع الاردن إلى أي تغيير جذري في سياسته. ولكن كيف يمكن القطاف في هذه الظروف.

اولا يجب الانتباه لفرص اقتصادية مستحقة، فالوضع السوري يذهب إلى تسوية متسارعة سيبدأ معها الحديث عن إعادة البناء والإعمار، وإذا كان الاردن لا يستطيع ولا يقدر أن يحصل على حصة كبيرة من ذلك، ولكن أي منطق في أن يرضى بحصة أقل نسبيا مما يتطلع له الأتراك، فما يظهره الأتراك هو موقف برجماتي تماما وتحركاتهم الدبلوماسية لا تقع تحت باب (ما أحلى الرجوع إليه) بل في إطار البحث عن موقع أفضل لاقتناص الكتف أو ما تبقى منه، وربما يستطيعون للأسف تحقيق ذلك حتى عن طريق الانقلاب الكامل على مشروع الإخوان والذي سيعرض نفسه بعد تركيا على أي جهة مهتمة باحتضانه فهل يفعلونها ونجد «حماس» مثلا تسعى لسلام دافئ في القطاع؟

ثانيا ألم يحن الوقت من أجل الالتفات لقضايا بقي الاردن في مواجهتها وحيدا في ظل تشاغل الحلفاء التقليديين في الشأن السوري واليمني والإيراني؟ الاردن كان وحيدا في قضية الاعتداءات على القدس وايضا بقي يتابع انهيارات متتابعة ومزعجة أبقت المربع صفر عنوانا عريضا لمستقبل التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي وهو ما يجعل كثيرا من أسئلة الأردنيين معلقة ومفتوحة، ومؤخرا تقاربت تركيا مع إسرائيل دون أن تتذكر القدس للحظة ودون أن تضع الشأن الفلسطيني في منظرها وفقط فكرت في تقديم عرض أفضل مما قدمه بوتين قبل فترة ليست بالبعيدة.

الكلمات المتقاطعة في الإقليم شارفت على الاكتمال ولكنها لن تعطي أي معنى دون تقييم تجربة أدت إلى تحمل أعباء وتكاليف جنونية والمخرج الذي يلوح اليوم يبدو متعلقا بعدم القدرة على صرف المزيد من باب الاقتراب أصلا من نضوب كل هوامش الحركة والتمويل والأردن يمكنه اليوم أن يبادر بعد أن كان أداؤه المتحفظ قائما على عدم جدوى التعامل ببرجماتية وحكمة في ظل الوضع الساخن والمتقيح بالضغائن.