الذاكـرة الوطنية يا دولة الرئيس
اخبار البلد-
بلال حسن التل
مناسبة هذا الحديث هو تكرار الشواهد على اهتزاز قاعدة المعلومات في بلدنا، ليس على مستوى الوطن ككل فحسب، بل داخل المؤسسة الواحدة. من ذلك على سبيل المثال ما تكرر من تضارب وتناقض في المعلومات بإجابات بعض المؤسسات الحكومية عن أسئلة السادة النواب. بل إن الكثيرين من المسؤولين تبرموا أكثر من مرة من تناقض وتضارب المعلومات حول القضية الواحدة داخل مؤسساتهم، وبين قسم وآخر من أقسام هذه المؤسسة بالرغم من أن هذه المعلومات التي يطلبونها تتعلق بأعداد وبقضايا مادية ملموسة لا مجال للاجتهاد فيها وهي من صلب عمل هذه المؤسسات. كالسؤال عن عدد العاملين في المؤسسة، أو عدد المباني التي تمتلكها، أو السيارات التي تستخدمها.
كثيرة هي صور تضارب المعلومات، وعدم تحديثها في مؤسساتنا الرسمية، من ذلك على سبيل المثال.. ان دائرة العلاقات العامة في مؤسسة يعتمد عملها إلى حد كبير على التفاعل مع المجتمع، تعتمد حتى الآن قائمة تواصل وعناوين ما زال فيها سماحة الشيخ عز الدين الخطيب قاضيَا للقضاة، ولم يعلم المتعاملون مع هذه القائمة حتى الساعة ان السيد عقل بلتاجي صار أمينًا لعمان، أما الأستاذ كامل الشريف فما زال بحسب القائمة المعتمدة في هذه المؤسسة على قيد الحياة، أمينًا عامًا للمجلس العالمي للدعوة والإغاثة، بالإضافة إلى آخرين طواهم الموت، لكن هذه المؤسسة ما زالت تبقيهم على قائمة المدعوين إلى نشاطاتها. بل ان هذه القائمة لم تنتبه إلى التغيير الذي طرأ على وزير نفس الوزارة التي تتبع لها دائرة العلاقات العامة التي تعتمد هذه القائمة، وهو مؤشر خطير يدل على غياب المتابعة والمساءَلة، ومن ثم التحديث على قاعدة المعلومات التي تعمل على ضوئها مؤسساتنا الرسمية والأهلية، ولعل غياب التحديث، ومن ثم التنسيق هو السبب وراء التناقض، خاصة في مجال الأرقام والنسب حول الكثير من القضايا الوطنية.. كقضية البطالة، والفقر، وأعداد اللاجئين، وأعداد العمالة الوافدة وتأثير ذلك كله على واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والقرارات المتعلقة به. كثيرة هي مظاهر غياب المعلومات، أو عدم تحديثها في مؤسساتنا، وعن المسؤولين في هذه المؤسسات، وبالتالي قيام مخاطر هذا الغياب والتحديث.. من ذلك على سبيل المثال طريقة تعامل موظفي الدولة مع الجريدة الرسمية التي هي حافظة وخزان التشريعات التي تحكم عمل هؤلاء الموظفين، ابتداءً من الدستور، وانتهاء بالبلاغات، مرورًا بالقوانين والأنظمة. فجلّ ان لم يكن كل موظفي الدولة لم يعودوا يتابعون الجريدة الرسمية، بل لا يعرفونها وأغلبهم يظن انها الصحف اليومية، ولعل هذا الجهلَ بالجريدة الرسمية سبب رئيس من أسباب الأخطاء التي يقع فيها هؤلاء الموظفين على اختلاف مستوياتهم الوظيفية، وهي أخطاء كثيرة ولها كلف مادية ومعنوية كبيرة، خاصة عندما يأخذ الخطأ شكل القرار المالي أو الإداري، الذي فات متخذه تحديث معلوماته، خاصة في جانبها القانوني الذي يحكم عمله، مما يستدعي من الحكومة اتخاذ قرارٍ حاسمٍ يعيد الاعتبار للجريدة الرسمية، وإلزام الموظفين على مختلف مستوياتهم الوظيفية بالاطلاع على مضامينها منعًا لوقوع الأخطاء، وسدًا لباب اتخاذ قرارات على أساس قوانين تم تعديلها أو إلغاؤها دون ان يعلم بعض أصحاب العلاقة بذلك، جراء عدم تحديثهم لمعلوماتهم القانونية التي تنظم عمل مؤسساتهم وتحكمه.
وعلى ذكر الجريدة الرسمية والخلط بينها وبين المطبوعات الصحفية عند نسبة عالية من الناس خاصة موظفي الدولة، نحب ان نشير إلى قضية خطيرة ذات علاقة بالمعلومات من حيث توفرها، ومن حيث تحديثها، وهي ان نسبة عالية من المسؤولين لا يقرأون الصحف بما في ذلك ما يتعلق بشؤون وزاراتهم ومؤسساتهم، وبالتالي فإنهم يخسرون مصدرًا هامًا من مصادر المعلومات حول أداء هذه الوزارات والمؤسسات وتقييم الجمهور لهذا الأداء. وهؤلاء الذين لا يقرأون الصحف لا يقرأون أيضًا الكتب بحجة زحمة العمل، مما يعني ان هؤلاء يعانون من جدب في المعلومات سينعكس بالضرورة على قراراتهم ومبررات هذه القرارات وضروراتها.
مظهر آخر من مظاهر الفقر المعلوماتي الذي تُعاني منه مؤسساتنا يتمثل في غياب الأرشيف الذي يؤرخ لكل مؤسسة من مؤسساتنا وتطورها وإنجازها، وهذا يعني فقرًا في أرشيفنا الوطني، وخللاً في ذاكرتنا الوطنية، ونقصًا في مصادر المعلومات الضرورية لكتابة تاريخنا الوطني، والحفاظ على ذاكرتنا الوطنية غنية، مما يستوجب العمل سريعًا على تدارك ما فات، والسعي للحفاظ على ذاكرتنا الوطنية وصونها وصيانتها من خلال بناء «بنك معلومات وطني» لا يقتصر على الأرقام، بل يكون بنكًا شاملاً يوثق لكل مؤسسة من مؤسسات الوطن، (تأسيسًا وتطورًا وإنجازًا) وبذلك نحفظ تاريخنا كما هو لا كما قد يتوهمه البعض؛ حيث أننا نخص قراراتنا وإجراءاتنا بقاعدة معلوماتية، فتأتي صلبة متماسكة، لا هشَّةً معلقة بالهواء.