على طاولة وزير العمل

لو تمت ترجمة التقرير الذي أعدته الزميلة رانيا الصرايرة، ونشر أول من أمس حول شبهة تدور في أحد مصانع مدينة الحسن، تتهم أصحابه بالاتجار بالبشر، ومن ثم نشره في إحدى الصحف الأجنبية، سيكون موقفنا الإنساني والحقوقي والعمالي في وضع حرج للغاية.
فكما يبدو جليا أن الإحراج والخجل وتأنيب الضمير، مشاعر لن تتأتى علينا من فراغ، إن لم يكن التأنيب خارجيا، لأننا لسنا أمام أول تقرير يتحدث عن مثل هذه الانتهاكات غير الإنسانية، وفي تلك البقعة تحديدا.
التقرير المخجل نقلته "الغد” عن بيان إخباري لمركز "تمكين للدعم والمساندة”، يؤكد القائمون عليه، على وقوع جريمة اتجار بالبشر بحق مائة عامل وعاملة، من قبل أحد أصحاب المصانع الذي نقل العمال فيه صورة مقيتة مهينة لأوضاعهم هناك، تتمثل في الضرب وحجز الجوازات، والمساومة على رواتب تصل متأخرة أساسا، وظروف معيشة غير صحية أبدا كحشرهم داخل غرف لا تصلح للاستخدام الآدمي، حيث لا تهوية ولا تدفئة ملائمة وتنتشر الحشرات في أركانها. ثم وإن مرضت أو مرض أحد العمال واضطر للتغيب، بسبب هذه البيئة الصحية والنفسية السيئة، يتم خصم راتبها أو راتبه بدون تردد.
شعرت وأنا أقرأ في التقرير أن ثمة مبالغة في توصيف الوضع، تجعلني أعود لتوازني الإنساني الطبيعي، إذا قبلت بهذه الفرضية. لأنه يستحيل على إنسان عادي ويعيش في هذا الزمن الذي تطورت فيه الأدوات والوسائل الحياتية اليومية، ومست كافة متعلقاته الشخصية والمهنية والحقوقية، يستحيل عليه أن يتقبل صورا بمنتهى الفظاعة تم إيرادها في المادة الصحفية الموزعة، ولا يعتقد أنها منقولة عن فيلم سينمائي هابط، حتى يستوعب كمية الظلم والمهانة على بشر تم توصيف حالتهم حرفيا، أنهم تجارة.
فمجرد تخيل أن صاحب مصنع يقوم بضرب عاملاته وإيذائهن نفسيا والتحكم بحياتهن وحجز أوراقهن الثبوتية وتسويف إجراءات إقامتهن ليتم تسفيرهن فيما بعد بدون نيل رواتبهن، كما ورد في تقرير "تمكين”، لا يشعرنا بالأسف عليهن وحسب، بل يمتد الأسف والخجل على أنفسنا نحن، إن كنا سنظل نسمع بمثل هذه الانتهاكات العنصرية البشعة، ونظل نستغرب ونستنكر من بعيد.
في قضية أخرى ليست بمثل بشاعة الأولى، ولو أنها تشبهها في عنوان الحقوق العمالية، يجد حوالي ألفين وخمسمائة عامل أردني أنفسهم بدون وظيفة أو عمل، بعد أن قررت سبع من أهم الشركات العالمية مغادرة البلاد وإغلاق مصالحها واستثماراتها، في خطوة تدين قوانين الاستثمار والضريبة والمالكين والمستأجرين، التي اجتمعت كلها لتطفش شركات ومؤسسات معروفة، كانت إلى جانب دورها في سد احتياجات استهلاكية، تشغل مئات العمال وبالتالي توفر دخلا لمئات الأسر الأردنية، ناهيك عن طلاب الجامعات والشباب العاطل عن العمل بعد التخرج.
هؤلاء وجدوا أنفسهم في الهواء الطلق بين ليلة وضحاها، ولم يلتفت إليهم أحد من المسؤولين كأحد بل كأهم المتضررين من عملية الإغلاق. كل ما همنا هو صورتنا في الخارج كطاردين للاستثمار، والفراغ الاستهلاكي الذي سينتج عن هجرة الشركات.
حقوق هؤلاء العمال والموظفين لم يلتفت إليها المسؤولون كورقة ضغط على تلك الشركات المعروفة بأنها لا توقع عقودا عادلة في العادة. بل هي عقود معدة بدقة تمتهن حقوق العامل، تؤمن وضع المشغل القانوني تجاه أي دعوى.
هاتان قضيتان جاهزتان للتعامل معهما بشكل عاجل وعادل أيضا، من المفترض أن تنشغل بهما وزارة العمل بالذات لتصويب أوضاع المتضررين فيهما وفورا. مثلهما مثل قضايا عمالية وحقوقية كثيرة تغفل عنها الوزارة، مقابل الانشغال باستحداث صرعات جديدة في قوانين العمل والعمال، لتثير البلبلة والقلق والخوف لفئة ضعيفة بسيطة كأبناء غزة، فقط لتذكيرهم دائما أنهم ليسوا بأمان!