لا تفتح التابوت


لا يهتم الشباب في أيامنا هذه بالمواعظ والإرشادات التي يتلقونها ولا يلقون بالا للحكايات والأساطير. فالكثير منهم يظن أنها أقوال عفا عليها الزمن، وحكم نابعة من عقلية لم تعد تصلح لزماننا هذا. في تاريخ إحدى أقدم حضارات الدنيا، دوّن الفراعنة على قبور ملوكهم عبارة تقول "لا تفتح التابوت.. فسيضرب الموت بأجنحته السامة كل من يجرؤ على إزعاجنا". لكن أحدا لم يأبه لهذه العبارة، فقد انطلقت حملة التنقيب ونبش القبور في عشرينيات القرن الماضي متجاهلة التحذير ومحققة الكثير من النشوة لأركانها ومموليها.
التحذير الذي كان على مدخل سرداب قبر توت عنخ آمون لم يستوقف عالم الآثار هاورد كارتر وزميله اللورد كارنافون، فقد كان الدافع للاستكشاف أقوى من أن يلتفتا إلى عبارة ظنا أن لا معنى لها، كونها تنتمي إلى مرحلة تفكير وثني. وقد حققا نجاحا باهرا في الوصول إلى سراديب احتوت كنوزا ومنحوتات وآثارا صنفت بأنها أحد أهم اكتشافات العصر، ما أكسبهما شهرة واهتماما لم يكونا في حسابات أي منهما.
الحلي والمجوهرات والتماثيل التي أحاطت بجسد الملك المحنط والمجلل بالقماش المرصع وعشرات التماثيل الذهبية للحيوانات وغيرها من الموجودات، أنست بعثة التنقيب التحذير ودفعتهم للاحتفال بنجاحاتهم في رفع الستارة عن خصائص حقبة من تاريخ حضارة تركت بصماتها على المسيرة الإنسانية في أكثر من مجال.
المفاجأة الكبرى التي أذهلت العالم وأشغلت الباحثين والعلماء وبعثات التنقيب حتى يومنا هذا، تمثلت في عدد الأحداث والمصائب التي ألمت ببعثة التنقيب وكل الذين ساهموا في نبش القبر والدخول إلى سراديبه؛ فقد توالت عليهم المصائب واحدة تلو الأخرى في تتابع زمني مذهل حيث أصيب اللورد كارنافون الممول الرئيسي للحملة بحمى في يوم الاحتفال ومات في نفس الليلة دون أن يعرف الأطباء سببا لذلك، كما انقطعت الكهرباء عن القاهرة في لحظة موته وأصيب معظم الذين عملوا في مشروع التنقيب بالحمى ثم الموت واحدا تلو الآخر في ظاهرة لم يجد لها العلماء تفسيرا حتى يومنا هذا.
الموت والمصائب المتتالية التي لحقت بكل من ساهم في نبش القبور دفعت بالجميع إلى التمعن من جديد في عبارات التحذير التي دونت على مدخل المدفن الذي آوى قبر الملك توت عنخ آمون والذي لم يكن له أثر أو إنجازات تذكر؛ لكن الحادثة التي أطلق عليها "لعنة الفراعنة" أثارت الاهتمام العالمي به وبتاريخه ومنجزاته.
" اللعنة الفرعونية "التي أحدثت صدى أذهل المراقبين في القرن العشرين تغلغلت في العقل الشعبي المصري والعربي وشكلت رادعا مخيفا منع الناس من أن يطرحوا أسئلة عن تاريخهم وواقعهم ومصيرهم، فهم يخشون من العبارة المكتوبة في كل مكان وبين عيونهم "لا تفتحوا التابوت" فنبش القبور حدث مرعب، والتعرف على ما فيها مخيف. وحتى الآن لا يهتم الناس بمعرفة الموانع التي حالت دون أن يكونوا مثل بقية شعوب الأرض ينعمون بالكرامة والتنمية وحق المشاركة والتعبير ويعيشون خارج دائرة القتل والانتهاك والتدمير.
الخوف من فتح التابوت والخشية من تحليق الصقر ذي الاجنحة المسمومة والقادرعلى نشر الموت يخيفنا فنعود لنؤمن بلعنة الفراعنة وإمكانية أن يحدث لنا ما حدث للورد كارنافون وكل العمال الذين ساهموا في نبش القبر وإزعاج توت عنخ آمون. فللزعماء لعنة قد تطال كل من يجرؤعلى نبش أخبارهم.