“الجلو”.. والعفو عند المقدرة


ليس هناك من جريمة أقسى من القتل، وخصوصاً إذا كانت مع سبق إصرار وترصّد، وبعيداً عن الضجيج الذي يُثار هنا وهناك حول عقوبة الإعدام، فقد ترسّخ في أغلب ثقافات العالم أنّ القاتل في تلك الظروف يُعدم، ولا تسألوا رأي أهل المقتول، فهو معروف في مطلق الأحوال.
وقد توقّفت مطوّلاً أمام كلام والد المتّهم بالقتل في مؤته، حين طالب بإعدام ابنه، حتى قبل إصدار حكم نهائي، ولعلّ الأمر كان إعدامه هو نفسه، ولكنّ موقفه كان في محاولة يائسة لئلا تنسحب جريمة الابن على الآخرين، باعتبار أنّه لا تزر وازرة وزر أخرى.
وقد توقفت أمام كلام رئيس مجلس الأعيان، صديقنا الشيخ فيصل الفايز، قبل أسبوع، أي قبل الكشف عن تفاصيل ما حدث في مؤتة، حين قدّم استغرابه من استمرار عقوبة "الجلو” على أهل القاتل، باعتبارها من زمن غير زماننا، حيث البشر لم يعودا رُحّلاً يستطيعون في أي لحظة فكّ بيوت شعرهم، والانتقال إلى مكان آخر.
"الثأر” في أعراف الإنسانية موجود، وفي كلّ مكان، ولا تصدّقوا أنّ أهل قتيل لا يفكّرون بالثأر من قاتله، سواء أكانوا في نيويورك أو باريس أو مكّة أو مؤتة، أو في أيّ مكان آخر، ولكنّ تعميم الثأر على المئات، فهذا هو ما نكتب عنه الآن.
فـ”جلو” العشرات من العائلات، من بيوتهم، يعني إعدامهم بشكل أو بآخر، وبالتأكيد فهم ليسوا مسؤولين عن الجريمة، وهذا فالوازرة هنا تزر أخرى، وهذا ما ليس في ديننا، ولا يمكن أن يكون موجوداً في ضمير العشيرة الكبيرة الحبيبة التي قُتل منها شاب غال، ولهذا فلا نقول سوى: العفو عند المقدرة، وليكن القصاص موجهاً لمن يستأهله فحسب، لا أكثر ولا أقلّ…