انخفاض أسعار النفط.. نعمة أم صدمة ؟


بقدر ما يشكله انهيار أسعار النفط من نعمة للدول المستوردة كالأردن ، لكنه ينطوي على محاذير ومخاوف ، ولا أحد يستطيع التنبؤ بمفاجآت الاسواق ! فكما في السياسة، لم يعد أحد يزعم قدرته على قراءة ماذا سيحدث بعد 24 ساعة ، كذلك في الاقتصاد بات كل شيء خاضع للهزات الدراماتيكية ، فلم يكن يخطر في بال المحللين الاقتصاديين، انخفاض أسعار النفط الى ما دون 30 دولارا من 115 دولارا للبرميل خلال 18 شهرا ، وثمة تكهنات بأنه سيواصل الانخفاض الى مستوى « 10- 15» دولارا ، والبعض يتوقع ارتفاعه مجددا، ليستقر نسبيا عند مستوى 70 دولارا.

هناك تأثير متبادل بين السياسة والاقتصاد ، ويمكن الاستدلال على ذلك بما يجري هذه الايام ،من جنون وصراعات سياسية وعسكرية مباشرة، او بالوكالة في مناطق عديدة وخاصة في بلادنا العربية، فضلا عن الخلافات بين اعضاء أوبك انفسهم ،وانعكاس ذلك على الاقتصاد واسعار النفط وأسواق المال والاسهم !
حتى « الايكونوميست» وهي مجلة اقتصادية ذات مصداقية، وقعت في مطبات في توقعاتها لأسعار النفط ، ففي عام 1998 تراجعت الاسعار بشكل كبير ما دفع المجلة آنذاك ،لتوقع بقاء النفط قرب مستوى «12» دولارا لفترة طويلة من الزمن.وبعد ان تبين عكس ذلك ، نشرت المجلة اعتذارا عن هذا التوقع الخاطىء، ومع وصول سعر النفط الى مستوى «130» دولارا عام 2008 ، توقع محلل المجلة « ماثيوسيمونز» أن الأسعار قد تواصل صعودها، وبعد أيام معدودة تراجعت الأسعار بشكل كبير، لتصل الى مستوى 40 دولارا ! وقد نفاجأ بارتفاع دراماتيكي في الاسعار، اذا حدثت تسويات سياسية لبعض الملفات الساخنة !
ورغم الجدل حول نسبة انعكاس الانخفاض في السوق العالمي، على أسعار المحروقات محليا في الاردن ، والتشكيك بمعادلة التسعيرة الحكومية، ونسبة الضريبة المفروضة، لكن حدث تخفيض واضح خلال العام الماضي، والمفارقة أن انخفاض أسعار المحروقات، لم ينعكس على أسعار السلع والخدمات التي ارتفعت بشكل كبير، خلال موجة صعود أسعار النفط الى مستوى 120 دولارا !
واذا كان الاردن كدولة مستوردة للنفط ، استفاد نسبيا من انخفاض الاسعار ،فان اقتصاده يعتمد أيضا على استيراد من نوع آخر ، فهو يتلقى مساعدات مالية خليجية مباشرة ،أو عبر تمويل مشاريع مثل المنحة الخليجية «5 مليارات دولار» التي انتهت فترتها، ومن جهة أخرى ثمة عدد كبير من المغتربين الأردنيين يعملون في دول الخليج ، يقومون بتحويل عملات صعبة، تقارب مليارين و500 مليون دينار سنويا. تداعيات زلزال انهيار أسعار النفط بحاجة الى قراءة عميقة ، فإيجابياتها المتمثلة بالانخفاض النسبي في أسعار المحروقات ، وتخفيض فاتورة الطاقة ، لها وجه آخر، ذلك أن اقتصادات الدول الخليجية المنتجة، التي راكمت فوائض هائلة خلال فترة الارتفاع التاريخي للأسعار، أصيبت بضربة عنيفة، وانعكس ذلك في ظهور عجوزات غير مسبوقة في موازنات تلك الدول ولجوئها للاقتراض ، فعجز موازنة السعودية مثلا يقدر بـ «87» مليار دولار، وعجز موازنة قطر يتوقع ان يصل 12.8 مليار دولار، كما لجأت جميع دول مجلس التعاون الى ضغط النفقات والنظر بإعادة هيكلة اقتصاداتها، والاقتراض وشراء السندات. وقامت برفع أسعار المحروقات والكهرباء ، وربما تفرض ضرائب وتلغي بعض الامتيازات، التي كان يتمتع بها مواطنو تلك الدول مثل دعم السلع والخدمات، الخلاصة أن دور الدولة الرعوية انتهى !
السؤال الآن :هل سيستمر دعم تلك الدول للأردن اقتصاديا وماليا، وهل تسمح المعطيات الاقتصادية الجديدة بتجديد المنحة الخليجية، حتى مع ارتفاع حرارة العلاقات السياسية ؟ والسؤال الأهم من ذلك: هل ستنعكس تداعيات انهيار أسعار النفط سلبا ،على فرص عمل الأردنيين هناك، سواء من يعملون منذ سنوات طويلة ، أو على صعيد استقطاب أيدٍ عاملة جديدة ؟ هذه المتغيرات يفترض أن تكون على طاولة أصحاب القرار ،ونحن نرصد ايجابيات وسلبيات انخفاض اسعار النفط !
Theban100@gmail.com