وأودوا بالضرائب والنفط

مهرجان الخطابة المفتوح الذي انتهى الخميس الماضي تحت قبة البرلمان، يعيد إنتاج المثل الدارج "أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل". فهكذا تتعرض الحكومة كل عام لكلمات -مجرد كلمات- في موسم مناقشة الموازنة، في الوقت الذي يخفق البرلمان في عقد جلسة تبحث في السياسة الاقتصادية للحكومة.

كثير من النواب غرقوا في الخطابة والمطالب المناطقية، وقليل منهم وقفوا على أساس الإشكالية الاقتصادية، والمتمثلة في اتساع نطاق الضرائب والرسوم. إذ يدفع المواطن أكثر من مئة ضريبة ورسم، تشكل نحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزينة العامة. وهذه النسبة الجديدة ارتفعت العام الماضي بشكل كبير مقارنة بالعام الذي سبقه، ما يعني على نحو واضح أن الحكومة الحالية ماضية في هذه الطريق إلى نهايتها.

النائبان علي السنيد ومحمود الخرابشة وقفا على أساس التشوه في البناء الاقتصادي للموازنة، وهو احتساب سعر النفط والتغييرات التي تحدث من شهر لآخر تبعا لمعادلة التسعير التي تتسع الفجوة فيها بين أسعار النفط العالمية المنخفضة بشكل كبير ومتدرج، وبين الأسعار التي تعلنها الحكومة. وهي فجوة تتخطى 60 % في بعض الأشهر، بسبب قائمة الضرائب التي تلحق بأسعار المشتقات النفطية محليا أضرارا كثيرة، وبنسب لا يمكن المرور عنها ببساطة؛ فهي في تقديري لُب المشكلة، وتجعل من أداء الحكومة بالمعنى المالي جبائيا، بكل ما في الكلمة من معنى.

أسعار النفط العالمية، وتحديدا مزيج خام برنت، تراجع في الأشهر الستة الماضية بما يقارب 50 %، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار المحروقات في الأردن بنِسَب لا تتقارب مع التراجع العالمي. إذ انخفض سعر البنزين بنسبة 23 % فقط للفترة ذاتها، فيما تراجع سعر الكاز والسولار بنسبة 37 %. وسبب هذا الاختلاف بين سعر عالمي هابط وسعر محلي زاحف في تراجعه، يكمن في أن الحكومة تفرض ضريبة خاصة بنسبة 40 % على مادة البنزين "أوكتان95"، وتفرض ضريبة خاصة ايضا على "أوكتان90"، وهناك ضريبة مبيعات بنسبة 22 %. كما تفرض الحكومة ضريبة على أسعار التأمين البحري والتخزين، وهناك ضريبة على رسوم المخزون الاستراتيجي.

لا معنى لانخفاض مزيج برنت للبرميل إلى ما دون 30 دولارا، بينما تبيع الحكومة النفط محليا بمستويات مرتفعة نسبيا مقارنة بالتراجع الحاصل، علما أن سعر مزيج برنت يرتفع عن سعر خام النفط العربي الذي تشتريه الحكومة؛ بمعنى أنها تشتري نفطا يقل عن سعر برنت العالمي. وإذا علمنا أن سعر برميل النفط عالميا في الوقت الحالي يحوم حول 29 دولارا، وأن البرميل يضم 159 لتراً، يكون سعر الصفيحة (التنكة) في الأردن التي تضم 20 لتراً فقط هو 20 دولارا من بنزين "أوكتان 95". ولنا أن نتخيل حجم الفرق بين السعرين العالمي والمحلي لمشتقات النفط.

من المؤسف أن يشير عدد محدود من النواب فقط في الحديث عن تشوهات تسعير النفط والضرائب التي تتصل به، في الوقت الذي تمر فيه الموازنة مرور الكرام، وفقا لرؤية الحكومة الاقتصادية ذات الصِّلة بمضمون الجباية. وفي كل الأحوال، لم يكن لأحد يتوقع رفض النواب للموازنة الجديدة، لكن كان بإمكانهم تقييد اللون التجاري لأسعار المشتقات المحلية ولو بالحدود الدنيا.

إن أصبح سعر برميل النفط في البورصات العالمية 10 دولارات، فبكم ستبيعنا الحكومة البنزين محليا وقتها؟ ربما سيفوق السعر قي ظني السعر العالمي بأضعاف عديدة!