المُريد مُطارداً شيخه أو.. أردوغان إذ يُحاكم غُولن!

لم تصل حملة التصفيات والمُطاردة التي بدأها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد «خصومه» بل وأقرب حلفائه مثل الرئيس السابق والشريك الأول في تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم عبدالله غُلّ، الى نهايتها بعد، فـ»الزعيم» الذي هزّته فضيحة الفساد التي كادت تطيح حُكمه وتُنهي مستقبله السياسي في العام 2013، والتي تورط فيها رهط من وزرائه ونجله بلال وزوج ابنته الكبرى (اصبح وزيراً للطاقة في حكومة احمد داود اوغلو الاخيرة)، أُسْقِط في يده، وهو الذي كان يستعد لتنفيذ مخطط سياسي (وشخصي) طموح، يُدْخِله التاريخ كمؤسس ثانٍ للجمهورية بعد مصطفى كمال في احتفالات المئوية الأولى لقيام الجمهورية (تأسست في العام 1923)، وجد أن هناك من يتربص به ويحاول قطع طريق المجد عليه، فانتفض غاضِباً ومزمجراً على كل مَن شكك بـ»نزاهته».


ولم يلجأ بالطبع الى مؤسسة القضاء وتكليف الشرطة بالتحقيق واظهار الحقائق للجمهور التركي الذي يتزلفه اردوغان كي يحصل على اصواته بخطابه الشعبوي والتعبوي الفارغ المضمون، بل استل ادوات القمع من جرابه واستخدم سلطاته، كي يُطارد كل من ساهَم في كشف حقيقة الفساد الذي تمأسس في «بطانتِه» المُقربة, وراح يُكيل الاتهامات والضربات هنا وهناك، ولا يتردد في توجيه الشتائم والاتهامات العشوائية الى كل من رأى ان «تصفيتهم» سياسياً او اجتماعياً او مالياً، سيضمن ديمومة حُكمِه وخصوصاً في تحويل النظام البرلماني الذي ورثه عن مصطفى كمال اتاتورك الى نظام رئاسي ببصمة اردوغانية هذه المرة.

لم يجد ضالته كـ»كبش مِحرقة».. سوى شيخه السابق او لِنقُل الحليف الذي اسهَم في ايصاله الى السلطة وقدم له دعماً غير محدود ، عندما انشقّ عن ابيه الروحي السابق «نجم الدين اربكان» مُؤسِساً هو وعبدالله غل حزب العدالة والتنمية، ونقصد هنا زعيم حركة الخِدمة (حِزْمِت بالتركية) محمد فتح الله غولن المقيم منذ نحو عقدين في الولايات المتحدة الاميركية بعد محاولات المؤسسة العسكرية اعتقاله وتوجيه تهم الارهاب له بعد اسقاط حكومة نجم الدين اربكان في شباط من العام 1997.
هل قلنا الارهاب؟

نعم.. اذ ان حكومة اردوغان وجهت تهمة للاستاذ (كما يُطلق مريدوه... عليه) بأنه يرأس مجموعة ارهابية مُسلْحة, بعد أن رفضت الولايات المتحدة الاميركية تسليمه لأنقرة, التي تقدمت بطلب «رسمي» كي تقوم بترحيل الرجل السبعيني الذي لا يؤذي «ذبابة», هو واتباعه الكثر في تركيا وخارجها بل تنهض نشاطاتهم على تقديم الخدمات المختلفة في مقدمتها الخدمات الإغاثية ويُولون اهمية خاصة لحقل التعليم (داخلياً وخارجياً) ومساعدة الطلبة الاتراك في التأهل للالتحاق بالجامعات من خلال مدارس ذات مستوى متقدم يلتحق بها آلاف الطلبة, وهو أمر اراد اردوغان اجتثاثه, حتى يحرم الحركة من قاعدتها الشعبية, فضلاً عن استيلائه على مراكزها المالية المهمة وفي مقدمتها «بنك آسيا» أحد أكبر البنوك التركية, والذي يقوده مجلس ادارة من المتعاطفين إن لم نقل من اعضاء الحركة وكبار المُتبرّعين لها.

في السادس من الشهر الجاري, بدأت محاكمة الداعية غولن هو و»68» متهماً, بل رجال شرطة كبار, كان «الخطأ» الكبير الذي ارتكبوه, انهم تعاطوا مع اخبار شبكة الفساد (الكبيرة كما يجب التذكير) بجدية وبمسؤولية عالية ووفق الصلاحيات القانونية الممنوحة لهم, ما اسهم في كشف ملايين الدولارات التي كانت مُخبَّأة في صناديق الاحذية, ولاحقوا المكالمات الهاتفية التي كانت منها مكالمة من رئيس الحكومة (حينذاك) اردوغان لنجله بلال, كي يُخفي الملايين التي كان خبأها في المنزل على ما ورد في تلك المكالمات ونقلته الصحافة التركية بتفصيل.

المحاكمة «الغيابية» التي نظمها اردوغان لفتح الله غولن, تستهدف سُمعة الرجل في ذاته ولذاته, تشويهاً واحتقاراً ونبذاً وجعله مُطارَداً وفي مرتبة المطلوب عبر «الانتربول» وإذلاله في حال «ثبتت» التُهمة عليه, والتي تتراوح عقوبة التُهم المُوجّهة اليه (وباقي المتهمين الـ68) بين (7 – 330 سنة) وخصوصاً تُهمة محاولة «إطاحة الحكم».. وهو مسعى «اردوغاني» مكشوف وغير مستهجن, لأنه يندرح في اطار حملة الدولة «البوليسية المدنية» التي ارساها اردوغان في المشهد التركي, بعد أن هيمن على القضاء وقلّم اظافر المؤسسة العسكرية, رغم استرضائه لها وتراجُعِه عن اتهام الجنرالات في قضيتي أو مؤامرتي الانقلاب اللتين حملتا اسم المطرقة وارغنكون, مُعيداً الاعتبار لهم, ولكن وفق سياسة العصا والجزرة, ناهيك عما فعله بمؤسسات الاعلام ورجالات الصحافة من مطاردة وتنكيل وسجن وطرد وتجويع.

انها «الديمقراطية» الأردوغانية في ابهى تجلياتها أو فصولها «الساخرة», إن شِئنا الدقة في التوصيف.