إحقاق: الدستور لا يحرم أعضاء مجلس الأمة من التقاعد
بينت الدراسة القانونية التي أعدها مركز إحقاق للدراسات والاستشارات أن الدستور الأردني لا يحرم أعضاء مجلس الأمة من التقاعد وبينت هذه الدراسة مدى دستورية خضوع مدة العضوية في مجلس الأمة الأردني للتقاعد، وقد أشرف على هذه الدراسة مدير عام مركز إحقاق المحامي إسلام الحرحشي.
وللوقوف على مدى دستورية خضوع مدة العضوية في مجلس الأمة الأردني للتقاعد قالت الدراسة أنه لا بد لنا من الرجوع إلى نصوص الدستور الأردني والبحث فيها، فإن وجدنا أن هناك نصاً أو نصوصاً تمنع خضوع مدة العضوية في مجلس الأمة للتقاعد فيترتب على ذلك أن أي نص تشريعي من مستوى قانون عادي أو نظام أو غيره يُخضع هذه المدة للتقاعد يكون نصاً تشريعياً مخالفاً للدستور، ويكون نصاً باطلاً وفق مبدأ التدرج التشريعي ومبدأ سمو الدستور، ولكن إذا لم نجد في الدستور أي نص يمنع خضوع مدة العضوية في مجلس الأمة للتقاعد، فيترتب على ذلك أن المشرع الدستوري ترك أمر تقرير خضوع مدة العضوية في مجلس الأمة للتقاعد من عدمه للمشرع العادي الذي يُنشئ القانون أو ينشئ النظام حسب مقتضى الحال، وعلى المشرع العادي في هذه الحالة مراعاة المبادئ الدستورية العامة التي تضمنها الدستور، ومبادئ العدالة بشكل عام.
وفي هذه الدراسة القانونية تم البحث في مدى دستورية خضوع مدة العضوية في مجلس الأمة الأردني للتقاعد على النحو التالي:
الفرع الأول: وبالرجوع إلى التشريع العادي نجد أن المشرع القانوني الأردني قد أنشأ قانوناً خاصاً بالتقاعد وهو (قانون التقاعد المدني وتعديلاته رقم 34 لعام 1959)، وبموجب هذا القانون تم إخضاع مدة العضوية في مجلس الأمة للتقاعد إلى أن صدر (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959)، حيث أدخل هذا القانون المؤقت المعدل عدة تعديلات على القانون الأصلي، فتم تعديل الأحكام الخاصة بإخضاع مدة العضوية في مجلس الأمة للتقاعد؛ فأصبحت مدة العضوية في مجلس الأمة للتقاعد غير خاضعة للتقاعد.
ومن أبرز هذه التعديلات أنه قد جاء في المادة (2) من (قانون التقاعد المدني وتعديلاته رقم 34 لعام 1959) قبل تعديلها ما يلي:
(وتعني كلمة (الراتب) وعبارة (الراتب الشهري الاخير)، الراتب الأساس الشهري أو مخصصات عضو مجلس الامة الاساسية الشهرية مضافاً الى أي منهما ربع هذا الراتب أو تلك المخصصات ولا تشمل العلاوات والمخصصات الاخرى من أي نوع كانت).
فعُدلت هذه المادة بموجب (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959) وأصبح المعنى المخصص للراتب في المادة (2) كما يلي:
(وتعني كلمة (الراتب) الراتب الأساسي الشهري مضافاً إليه ربع هذا الراتب ولا يشمل العلاوات والمخصصات الاخرى من أي نوع كانت).
وخلاصة هذه التعديلات التي تمت بموجب (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959) هي عدم إخضاع مدة العضوية في مجلس الأمة للتقاعد.
الفرع الثاني: لقد أثار (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959) العديد من المشاكل من أبرزها أن عضو مجلس الأمة قبل صدور هذا القانون المؤقت المعدل ظل يتقاضى راتباً تقاعدياً، وأما عضو مجلس الأمة بعد صدور هذا القانون المؤقت المعدل أصبحت مدة عضويته في مجلس الأمة غير خاضعة للتقاعد، وبالتالي لا يستحق راتباً تقاعدياً عن مدة عضويته في مجلس الأمة، وفي ذلك إخلالٌ واضحٌ وبَيِّنٌ في المراكز القانونية والمساواة بينها.
الفرع الثالث: لا شك أن (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959) هو قانون مخالف للدستور، فبموجب المادة (94) من الدستور قبل تعديلها لا يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة إلا عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً، وفي الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل، وأن لا تخالف احكام هذا الدستور.
وعليه يتبين أن مجلس الوزراء قد أصدر هذا القانون المؤقت المعدل لقانون التقاعد المدني في أمر لا يستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل، وبالتالي يغدو هذا (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959) قانوناً مخالفاً لأحكام المادة (94) من الدستور، وباطلاً بطلاناً مطلقاً لا ترد عليه إجازة في دولة القانون الملتزمة بمبدأ التدرج التشريعي وبمبدأ سمو الدستور.
ويضاف إلى هذه المخالفة مخالفة دستورية أخرى، حيث قضت المحكمة الدستورية في (القرار التفسيري رقم 2 لسنة 2014) بما يلي:
(وقد بينت المادة (120) من الدستور أن كيفية تعيين الموظفين وعزلهم أو الاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصهم يجب أن تعين بموجب أنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك، وما ذلك إلا تكريس لاستقلال السلطة التنفيذية وحفاظ على ارتباط الموظف بها، فهي التي تُصدر الانظمة التي تحدد المركز القانوني للموظف بدءاً من القواعد التي تحكم تعيينه بالوظيفة العامة وانتهاء بالكيفية التي تنتهي فيها وظيفته بالعزل أو التقاعد أو الوفاة أو بغير ذلك).
وهذا يعني أن أحكام التقاعد يجب أن تنظم بموجب أنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك، وأن تنظيمها بموجب قانون يكون مخالفاً لأحكام المادة (120) من الدستور، وعليه يكون (قانون التقاعد المدني وتعديلاته رقم 34 لعام 1959) قانوناً مخالفاً لأحكام الدستور، وباطلاً بطلاناً مطلقاً لا ترد عليه إجازة في دولة القانون الملتزمة بمبدأ التدرج التشريعي وبمبدأ سمو الدستور.
الفرع الرابع: رغم أن (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959) هو قانون مخالف للدستور منذ إصداره كما بَيَّنا أعلاه إلا أن هذا القانون عُرض على مجلس الأمة تطبيقاً لأحكام المادة (94) من الدستور، وتم بحثه أكثر من مرة من قبل غرفتي المجلس (مجلس الأعيان ومجلس النواب) وفي النهاية قرر مجلس الأمة رفض هذا القانون من قبل غرفتيه، ثم نَسَّب مجلس الوزراء للملك بالموافقة على إعلان بطلانه إلا أن الملك رفض إعلان بطلان القانون المؤقت المعدل لقانون التقاعد المخالف للدستور (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959)، وقد جاء رفض الملك بموجب الإرادة الملكية المنشورة في الجريدة الرسمية العدد (5188) تاريخ (2/12/2012).
الفرع الخامس: رغم أن (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959) هو قانون مخالف للدستور منذ إصداره، ورغم أن مجلس الأمة قد قرر رفض هذا القانون بغرفتيه (مجلس الأعيان ومجلس النواب)، ورغم أن مجلس الوزراء قد نَسَّب للملك بالموافقة على إعلان بطلانه إلا أن الملك رفض إعلان بطلانه بموجب الإرادة الملكية المنشورة كما بَيَّنا أعلاه، رغم ذلك كله لم تتعرض المحكمة الدستورية للبحث في دستورية إصداره، لا بل قضت في (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 5 لسنة 2013) أن هذا القانون المؤقت المعدل يبقى سارياً ونافذ المفعول ما دام أن الملك قد صدرت إرادته برفض إعلان بطلانه، أي أن هذا القانون المؤقت المعدل لقانون التقاعد قد أصبح من القوة بمكان تساوي قوة الدستور الذي لا يكون مشروعه نافذاً ما لم يوافق عليه الملك، أي أن سلطة الملك برفض إعلان بطلان القانون المؤقت هي سلطة مطلقة، في حين أن سلطة الملك في رفض مشروع القانون العادي هي سلطة توقيفية بموجب الفقرة (4) من المادة (93) من الدستور التي تنص (إذا رد مشروع أي قانون (ماعدا الدستور) خلال المدة المبينة في الفقرة السابقة وأقره مجلسا الاعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الاعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين وجب عندئذ اصداره وفي حالة عدم اعادة القانون مصدقاً في المدة المعينة في الفقرة الثالثة من هذه المادة يعتبر نافذ المفعول وبحكم المصدق).
وعليه وبموجب (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959) المخالف للدستور منذ إصداره، الذي قضت المحكمة الدستورية في قرارها (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 5 لسنة 2013) أنه سيبقى سارياً ونافذ المفعول إلى الأبد لأن الملك أراد رفض إعلان بطلانه، فإن مدة العضوية في مجلس الأمة غير خاضعة للتقاعد، وبالتالي لا يستحق أعضاء مجلس الأمة رواتب تقاعدية عن مدة عضويتهم في مجلس الأمة بعد سريان القانون المؤقت المعدل، أما أعضاء مجلس الأمة قبل سريان هذا القانون المؤقت المعدل فمدة عضويتهم في مجلس الأمة تخضع للتقاعد، وفي ذلك إخلالٌ واضحٌ وبَيِّنٌ في المراكز القانونية والمساواة بينها.
الفرع السادس: لقد قضت المحكمة الدستورية أيضاً في قرار تفسيري لاحق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذه الدراسة (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 2 لسنة 2014) أن عضوية مجلس الامة أو مدتها غير خاضعة للتقاعد، الأمر الذي يترتب عليه عدم استحقاق أعضاء مجلس الامة للرواتب التقاعدية مع عدم المساس بالحقوق المكتسبة.
وللوقوف على مدى صحة (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 2 لسنة 2014) القاضي بعدم إخضاع مدة العضوية في مجلس الامة للتقاعد، لا بد لنا من سرد الأسباب التي استندت إليها المحكمة والتي دعتها لإصدار ذلك القرار، ثم مناقشة هذه الأسباب والبحث فيها بشكل قانوني وعلمي وموضوعي، ومن ثم نضع رأينا القانوني والعلمي والموضوعي فيما إذا كانت هذه الأسباب واردة على هذا القرار وموجبة له أم لا.
ومن المعلوم أن هناك من يذهب إلى أن قرارات المحاكم لا يجوز التعليق عليها ونقدها، فهي بنظرهم حجة على الكافة، وعنواناً للحقيقة، ويجب الالتزام بها واحترامها، ويجب عدم نقدها،
ولكن في المقابل هناك من يذهب إلى جواز نقد قرارات المحاكم إيجاباً أو سلباً، وجواز التعليق عليها مع احترام هذه المحاكم والالتزام بقراراتها حتى وإن جانبت الصواب في بعض الأحيان، لا بل هناك فائدة من نقد قرارات المحاكم تتمثل في إثراء الآراء والاجتهادات الفقهية والقضائية ما دام أن هذا النقد ضمن الأطر القانونية والعلمية والموضوعية.
أولاً: صدر (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 2 لسنة 2014) بأغلبية أعضاء الهيئة الحاكمة المكونة من تسعة أعضاء؛ فوافق على القرار رئيس الهيئة الحاكمة وهو نائب رئيس المحكمة السيد فهد ابو العثم النسور، والأعضاء السادة (أحمد طبيشات، والدكتور كامل السعيد، وفؤاد سويدان، ويوسف الحمود، ومنصور الحديدي، والدكتور نعمان الخطيب)، وقد خالف القرار العضوين السيدين (الدكتور عبد القادر الطوره، والدكتور محمد سليم الغزوي)، وقد جاء في القرار ما يلي:
(تنحّى عن المشاركة بالنظر في طلب التفسير كل من رئيس المحكمة السيد طاهر حكمت والسيد مروان دودين استنادا للمادة (132/ 2) من قانون اصول المحاكمات المدنية لانهما كانا عضوين في مجلس الامة السادس عشر، كما تنحّى الدكتور خلف الرقاد عن المشاركة في طلب التفسير استنادا للمادة (135) من القانون المشار اليه لاستشعاره الحرج).... انتهى الاقتباس
ثانياً: بعد رجوعنا إلى المادة (132) من (قانون اصول المحاكمات المدنية رقم 24 لعام 1988) وتعديلاته نجد أنها تنص على ما يلي:
يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم في الأحوال الآتية:
1- اذا كان زوجا لأحد الخصوم أو كان قريبا أو صهرا له الى الدرجة الرابعة.
2- اذا كان له أو لزوجه خصومة قائمة مع أحد الخصوم أو مع زوجه.
3- اذا كان وكيلا لأحد الخصوم في أعماله الخاصة أو وصيا عليه أو قيما أو مظنونة وراثته له أو كان زوجا لوصي أحد الخصوم أو القيم عليه أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بهذا الوصي أو القيم أو بأحد أعضاء مجلس ادارة الشركة المختصمة أو أحد مديريها وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى.
4- اذا كان له أو لزوجه أو لأحد أقاربه أو اصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلا عنه او وصيا أو قيما عليه مصلحة في الدعوى القائمة.
5- اذا كان بينه وبين أحد قضاة الهيئة صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة أو كان بينه وبين المدافع عن أحد الخصوم صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الثانية.
6- اذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى، ولو كان ذلك قبل اشتغاله في القضاء، أو كان قد سبق له نظرها قاضيا أو خبيرا أو محكما أو كان قد أدى شهادة فيها.
7- اذا رفع دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده بلاغا لجهة الاختصاص.
ولنا أن نسأل: هل هناك خصومة قائمة بين رئيس المحكمة السيد طاهر حكمت وعضو المحكمة السيد مروان دودين من جهة وبين أحد الخصوم في هذا الطلب المقدم من قبل مجلس الوزراء من جهة أخرى؟؟
وما هو وجه هذه الخصومة؟؟
وإذا كان رئيس المحكمة السيد طاهر حكمت غير صالح لنظر هذا الطلب بموجب الفقرة (2) من المادة (132)، فلمن قدم طلب الاذن بالتنحي إذا كانت المادة (135) من قانون الأصول توجب عليه أن يخبر رئيس المحكمة للأذن له في التنحي؟؟
وإذا كان رئيس المحكمة السيد طاهر حكمت غير صالح لنظر هذا الطلب بموجب الفقرة (2) من المادة (132)، فلمن قدم عضو المحكمة السيد مروان دودين طلب الاذن بالتنحي إذا كانت المادة (135) من قانون الأصول توجب عليه أن يخبر رئيس المحكمة للأذن له في التنحي؟؟
وإذا كان رئيس المحكمة السيد طاهر حكمت غير صالح لنظر هذا الطلب بموجب الفقرة (2) من المادة (132)، فلمن عرض عضو المحكمة د. خلف الرقاد أمر تنحيه لاستشعاره الحرج إذا كانت المادة (135) من قانون الأصول توجب عليه أن يخبر رئيس المحكمة للأذن له في التنحي؟؟
وإذا كان رئيس المحكمة السيد طاهر حكمت غير صالح لنظر هذا الطلب بموجب الفقرة (2) من المادة (132)، فمن الذي شكل الهيئة الحاكمة برئاسة السيد فهد أبو العثم النسور التي نظرت الطلب وأصدرت القرار فيه؟؟؟
إن هذه الأسئلة أسئلة مهمة جداً، والاجابة عليها كان واجباً على المحكمة الموقرة أن توضحها في قرارها، وتأتي أهمية الإجابة على هذه الأسئلة للتأكد من صحة تشكيل المحكمة ومدى اتفاقه مع القانون والأصول، فلو كان تشكيل المحكمة غير صحيح ومخالفاً للقانون والأصول يكون قرارها باطلاً قانوناً.
ثالثاً: جاء أيضاً في (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 2 لسنة 2014) ما يلي:
((وبالتدقيق فإن ما يمكن استخلاصه من هذه النصوص لبيان ما إذا كان يجوز إخضاع مدة العضوية في مجلس الأمة للتقاعد المدني أنه لا بد بداية من تحديد النظام القانوني الذي تخضع له الوظيفة العامة وفيما إذا كان هذا النظام هو نفسه الذي يخضع له أعضاء مجلس الامة وأن طبيعة العلاقة بين هاتين الجهتين وبين الدولة هي علاقة واحدة أم لا.
وبالرجوع الى المادة (76) من الدستور نجد أنها قد أوضحت أن ما يقصد بالوظائف العامة كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العامة، ويشمل ذلك دوائر البلديات، كما اوضحت المادة (22) من الدستور أن لكل أردني حقاً في تولي المناصب العامة بالشروط المعينة في القانون أو الانظمة وأن التعيين في الوظائف العامة من دائمة ومؤقتة يكون على أساس الكفايات المؤهلات.
وقد بينت المادة (120) من الدستور أن كيفية تعيين الموظفين وعزلهم أو الاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك، وما ذلك إلا تكريس لاستقلال السلطة التنفيذية وحفاظ على ارتباط الموظف بها، فهي التي تُصدر الانظمة التي تحدد المركز القانوني للموظف بدءاً من القواعد التي تحكم تعيينه بالوظيفة العامة وانتهاء بالكيفية التي تنتهي فيها وظيفته بالعزل أو التقاعد أو الوفاة أو بغير ذلك، وهي التي تحدد حقوقه المالية وأبرزها تحديد راتب دوري له في مقابل تفرغه التام للعمل الوظيفي وعدم ممارسته أي عمل آخر. فهناك ربط دائم بين الراتب والموظف، بحيث لا يعرَّف الراتب إلا مقترنا بالموظف، فإذا ما انقضت علاقة الموظف بالوظيفة وانقضى راتبه الوظيفي، فإن المشرع وفق شروط محددة لا يجوز تجاوزها أو مخالفتها، وفي مقابل تفرغه الطويل للوظيفة دون أي عمل آخر خلالها، ولكونه يصبح عاجزاً عن العمل بعد انتهاء خدمته، فقد خصّه المشرع براتب تقاعدي لسدّ حاجته وحاجة أسرته.
ولقد بات مستقراً بأن علاقة الموظف بالدولة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين والانظمة والتعليمات الصادرة بهذا الخصوص، وأن تعديل أحكام هذه العلاقة والتقّيد بها هو اجراء تنظيمي عام، ومركز الموظف من هذه الجهة ما هو إلا مركز قانوني عاما يجوز تعديله في أي وقت، فالموظف العام وفق ما يعرفه الفقه والقضاء هو الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد اشخاص القانون العام، مما يعني أن الشروط والعناصر التي يجب توفرها في الموظف العام هي أن يتم تعيينه من السلطة المختصة بوظيفة دائمة في خدمة مرفق عام تديره الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر من أحد اشخاص القانون العام، متفرغا للوظيفة التي تم تعيينه فيها.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للموظف أو الوظيفة العامة فإن الامر يختلف بالنسبة للعلاقة بين مجلس الأمة وبين الادارة، ذلك أن هذه العلاقة محكومة بمبدأ الفصل بين السلطات وبطبيعة المهام التي يمارسها مجلس الامة، وذلك بالرقابة على السلطة التنفيذية واصدار التشريعات كونه نائبا عن الشعب في أداء هذه المهام وبما يتعارض أن يكون عضو مجلس الامة موظفاً عاماً وفق ما أسلفنا.
وقد أكد الدستور هذه الحقيقة حين أوضح بشكل قاطع في المادة (76) من الدستور أنه لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان أو النواب وبين الوظيفة العامة، ولو كان عضو مجلس الأمة موظفاً أو يجوز اعتباره كذلك لما كان المشرع الدستوري قد أورد الحظر المشار إليه لتعارض طبيعة عمل المجلس مع طبيعة الوظيفة العامة.
ومن جهة أخرى فقد حدد الدستور بالمادتين (78/ 3 و 82) الأوقات التي يمارس فيها مجلس الأمة مهامه، وهي مدد محددة لا تقتضي التفرغ الكامل لأدائها وبما يتيح لأي عضو من أعضاء مجلس الأمة ممارسة أي عمل أو مهنة خاصة لا تتعارض مع طبيعة عمله وذلك على خلاف الوظيفة العامة التي تقتضي التفرغ التام لأدائها، وبما لا يجوز ممارسة عمل آخر معها، وذلك في مقابل تقاضي شاغلها راتبا دوريا.
وإذا كان الدستور قد حظر الجمع بين عضوية مجلس الأمة والوظيفة العامة في المادة (76) منه، فإنه قد أوضح بالمادة (52) أن ما يتقاضاه عضو مجلس الأمة هو مخصصات للعضوية لقاء ما ينفقه العضو في سبيل أداء عمله.
ولا بد من الاشارة هنا أن الفقرة الثالثة من المادة (129) من الدستور قد أبقت على القوانين والأنظمة التي كانت نافذة في ظل دستور سنة 1946 المُلغى، ومن بين هذه القوانين (قانون مخصصات أعضاء مجلس الأمة رقم 17 لسنة 1947) الصادر بتاريخ 21/ 5/ 1947 والذي لا زال ساريا حتى الآن، حيث نصت المادة الثانية من هذا القانون بكل وضوح على ما يلي: (يعتبر ما يتقاضاه أعضاء مجلس الامة مخصصات لا رواتب) وذلك تأكيدا من هذا القانون النافذ أن أعضاء مجلس الأمة ليسوا موظفين وأنهم بالتالي لا يستحقون رواتب تقاعدية.
ولا يرد القول بأن الوضع القانوني للوزير هو ذات الوضع القانوني لعضو مجلس الأمة ذلك أن الوزير يتقاضى راتبا بموجب نص المادة (52) من الدستور ويشغل وظيفة بمقتضى المادة (55) من الدستور ومتفرغاً لعمله الوزاري بمقتضى أحكام المادة (44) من الدستور منه والتي تنص على أنه:
(لا يجوز للوزير أن يشتري أو يستأجر شيئا من أملاك الحكومة ولو كان ذلك في المزاد العلني كما لا يجوز له أثناء وزارته أن يكون عضواً في مجلس ادارة شركة ما، أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضى راتبا من أي شركة).
وتأسيسا على ما تقدم فإن محكمتنا ترى أن عضوية مجلس الامة أو مدتها غير خاضعة للتقاعد، الأمر الذي يترتب عليه عدم استحقاق أعضاء مجلس الأمة للرواتب التقاعدية مع عدم المساس بالحقوق المكتسبة))... انتهى الاقتباس من (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 2 لسنة 2014).
رابعاً: لقد جاء (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 2 لسنة 2014) بناء على طلب من مجلس الوزراء لتفسير المواد (52 و 65 /1 و 66 و 68/ 1 و 75/ 2 و 76و 78/ 3 و 93/ 2) من الدستور وبيان ما إذا كانت تجيز اخضاع مدة العضوية في مجلس الامة للتقاعد المدني.
إن من يقرأ (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 2 لسنة 2014) ويدرسه بعناية يجد أن النصوص الدستورية التي استند عليها القرار التفسيري لم تبحث في موضوع التقاعد مطلقاً سواء تقاعد الموظفين العموميين أو تقاعد أعضاء مجلس الأمة لا من قريب أو من بعيد، وإن جل ما حكمت به هذا النصوص هو أن هناك فرق بين الوظيفة العامة وبين عضوية مجلس الأمة، وهناك فرق بين رواتب الوزراء وبين مخصصات أعضاء مجلس الأمة، ولم تبين هذه النصوص لا من قريب أو بعيد ما يترتب على هذا الفرق بخصوص التقاعد، وكذلك لم توجب هذه النصوص أو تمنع إخضاع رواتب الموظفين العموميين للتقاعد، وكذلك الحال بالنسبة لمخصصات أعضاء مجلس الأمة، فهذه النصوص لم توجب أو تمنع إخضاع مخصصات أعضاء مجلس الأمة للتقاعد.
وعليه نجد أن المحكمة الدستورية قد جانبت الصواب (مع الاحترام) عندما قررت "أن عضوية مجلس الامة أو مدتها غير خاضعة للتقاعد، الأمر الذي يترتب عليه عدم استحقاق أعضاء مجلس الأمة للرواتب التقاعدية"؛ فهذه النصوص المشار إليها في القرار بشكل خاص ونصوص الدستور بشكل عام لم تبحث أو تقضي بأي حكم متعلق بالتقاعد بشكل عام أو تقاعد الموظفين العموميين أو تقاعد أعضاء مجلس الأمة بشكل خاص، وبالتالي يكون قرار المحكمة الدستورية بهذه الصفة قراراً غير سائغ قانوناً، فمقدمات وأسباب القرار لا تفضي إلى النتيجة أو القرار الذي وصلت إليه هذه المحكمة، وكان الأولى بالمحكمة الدستورية أن تقرر أن نصوص الدستور كلها لا سيما النصوص المشار إليها في الطلب لم تقضي بأي حكم متعلق بالتقاعد بشكل عام أو تقاعد الموظفين العموميين أو تقاعد أعضاء مجلس الأمة بشكل خاص، وأن موضوع جواز أو وجوب أو منع إخضاع مدة عضوية أعضاء مجلس الأمة أو مدة الوظيفة العامة للتقاعد هو أمر لم يبحث فيه المشرع الدستوري ولم تتطرق إليه نصوص الدستور لا من قريب أو من بعيد، وبالتالي يكون أمر بحث وترتيب أحكام التقاعد متروك للمشرع العادي بتشريع يُنشأ وفق أحكام الدستور.
خلاصة الدراسة:
أولاً: لا يوجد في الدستور الأردني أي نص يحرم أو يمنع أعضاء مجلس الأمة من إخضاع مدة عضويتهم في مجلس الأمة لأحكام التقاعد، ونخص بالذكر نصوص المواد (52 و 65 /1 و 66 و 68/ 1 و 75/ 2 و 76 و 78/ 3 و 93/ 2) من الدستور، والقول بأن هذه النصوص لا تجيز إخضاع مدة عضوية أعضاء مجلس للتقاعد هو قول لم ينطق به الدستور لا من قريب أو من بعيد، وهو قول غير سائغ قانونياً ومنطقياً.
ثانياً: إن (القانون المؤقت رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لعام 1959) هو قانون مخالف للدستور، فمجلس الوزراء قد أصدر هذا القانون المؤقت في أمر لا يستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل، وبالتالي يكون هذا القانون المؤقت قانوناً مخالفاً لأحكام المادة (94) من الدستور، وباطلاً بطلاناً مطلقاً لا ترد عليه إجازة في دولة القانون الملتزمة بمبدأ التدرج التشريعي وبمبدأ سمو الدستور.
ثالثاً: إن (قانون التقاعد المدني وتعديلاته رقم 34 لعام 1959) هو قانون مخالف لأحكام الدستور، فقد بَيَّنَت المادة (120) من الدستور أن كيفية تعيين الموظفين وعزلهم أو الاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصهم يجب أن تعين بموجب أنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك، وما ذلك إلا تكريس لاستقلال السلطة التنفيذية وحفاظ على ارتباط الموظف بها، فهي التي تُصدر الانظمة التي تحدد المركز القانوني للموظف بدءاً من القواعد التي تحكم تعيينه بالوظيفة العامة وانتهاء بالكيفية التي تنتهي فيها وظيفته بالعزل أو التقاعد او الوفاة او بغير ذلك، أي أن أحكام التقاعد يجب أن تنظم بموجب أنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك، وأن تنظيمها بموجب قانون يكون مخالفاً لأحكام المادة (120) من الدستور، وعليه يكون (قانون التقاعد المدني وتعديلاته رقم 34 لعام 1959) قانوناً مخالفاً لأحكام الدستور، وباطلاً بطلاناً مطلقاً لا ترد عليه إجازة في دولة القانون الملتزمة بمبدأ التدرج التشريعي وبمبدأ سمو الدستور.
لطفاً أنظر (قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 2 لسنة 2014).
رابعاً: بناءاً على ما تقدم في هذه الدراسة، نوصي المحكمة الدستورية الموقرة العودة عن قرارها التفسيري غير السائغ قانونياً وأصولياً (مع الاحترام) الذي أنطق الدستور بما لم ينطق نصاً أو مفهوماً أو اقتضاءاً، ولها ذلك، حيث تقضي المادة (12) من (تعليمات اجراءات الفصل في الطعون وطلبات التفسير الصادرة عن الهيئة العامة للمحكمة الدستورية لعام 2014) بأن تطبق القواعد والأحكام الواردة في قانون اصول المحاكمات المدنية فيما لم يرد عليه نص في قانون المحكمة الدستورية أو في التعليمات وذلك بالقدر الذي لا يتعارض مع طبيعة الدعوى الدستورية أو مع قانون المحكمة.
وتقضي المادة (9) من (قانون تشكيل المحاكم النظامية وتعديلاته رقم 17 لعام 2001) بأنه إذا كانت القضية المعروضة على محكمة التمييز تدور حول نقطة قانونية مستحدثة او على جانب من التعقيد او تنطوي على اهمية عامة او رأت احدى هيئاتها الرجوع عن مبدأ مقرر في حكم سابق فتنعقد هيئة عامة من رئيس وثمانية قضاة.
أي أن المحكمة الدستورية الموقرة إذا أرادت الرجوع عن مبدأ مقرر في حكم سابق فتنعقد هيئة عامة.