ابناء غزة ليسوا وافدين يا وزارة العمل

طوال نصف قرن لم يستشعر ابناء قطاع غزة غربة في الاردن الذي فتح لهم الباب للعمل والحياة المدنية الكريمة , وظل الشعب الاردني على الدوام يحمل كل الود لابناء القطاع سواء المقيمين في الاردن او على ارض القطاع الصامد , بل لم يمسح جراح الغزيين الا العسكر من خلال المستشفى الميداني الذي اصبح حالة وجد بين الجيش العربي وقطاع غزة , وتفهم ابناء القطاع حظر تسجيل الاراضي باستثناء بيت السكن او الشقة – رغم توقيف القرار منذ فترة ليست قصيرة - وعدم منحهم رخصة السوق العمومي وما دون ذلك فأعمالهم مصانة ووظائفهم في القطاع الخاص ووزارة التربية والتعليم مفتوحة .


فجأة ودون سابق انذار وبعد لقاء حيوي وايجابي مع مدير دائرة الاحوال المدنية والجوازات ومدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية تم فيه اعتماد تسهيلات لابناء القطاع , تقوم وزارة العمل يإصدار قرار عجيب وغير مسبوق طالبت فيه ابناء قطاع غزة وحملة الجوازات الاردنية المؤقتة بإستصدار تصاريح عمل وهو أمر لم يحدث قبل 1- 1- 2016 , بل على العكس الدولة دأبت على معاملة ابناء قطاع غزة ممن يحملون جوازات السفر الاردنية المؤقتة لمدة سنتين وابناء الضفة ممن يحملون جوازات سفر مؤقتة لمدة خمس سنوات معاملة الاردنيين في الحقوق المدنية ومنحتهم دعم الخبز ودعم المحروقات .

الخطوة مباغتة وغير مفهومة على المستوى السياسي وإن كانت واضحة على المستوى المالي حيث ترغب الحكومة بزيادة ايرادات الخزينة من تصاريح العمل من حملة الجوازات الاردنية المؤقتة وابناء قطاع غزة دون النظر الى اضراره السياسية والاقتصادية على هذه الشريحة الواسعة والتي يصل تعدادها الى مليون شخص تقريبا , علما بأن معظمهم ينطبق عليه مفهوم التابعية اي الحصول على حقوق مدنية دون الحصول على حقوق سياسية وهذا معمول به في كل دول العالم حتى دول الخليج العربي وعليه فإن قرار وزير العمل يفتح باب الاسئلة الحرجة في هذا التوقيت الحرج لقطاع غزة وابنائه الذين يعانون الامرين .

زيادة ايرادات الخزينة من هذه الفئة يمكن ان تتحقق بمنحهم امتيازات استثمارية في قطاعات مغلقة او السماح لهم بالتملك وانشاء المصالح التجارية وبالتالي يمكن ان يكون دخل الخزينة اعلى بل وتحقق الحكومة فرص عمل لكثير من العاطلين عن العمل , هذا من الجانب الاقتصادي لكن الجانب السياسي يحمل ما هو ابعد من ذلك , فنحن نتحدث عن علاقة الاردن بفلسطين تلك العلاقة التاريخية المقدسة ونتحدث اكثر بأن الاردنيين وطوال حياتهم لم ينظروا الى الشقيق الفلسطيني كوافد الى الاردن حتى ابناء القطاع بل ان حجم التعاطف الشعبي مع غزة واهلها يتصدر افئدة الاردنيين على الدوام .

القرار يحمل اوجها صعبة الاحتمال ليس على الصعيد الاقتصادي وحسب بل على مفهوم العلاقة الاردنية مع فلسطين واهلها وطبيعة الاحساس النفسي التي ستتحول من علاقة وطنية الى علاقة تعاقدية ويتحول الفلسطيني في الاردن الى وافد يأتي ويغادر بعد جمع ما تيسر من اموال ولا اظن احدا يبحث عن نقل العلاقة الاردنية الفلسطينية الى هذا المستوى , فكل ابناء فلسطين ينظرون الى الاردن بعين وينظرون الى فلسطين بالعين الثانية وكذلك الاردنيون ونحن نحتاج الى تماسك الحالة الفلسطينية والاردنية ونحتاج الى تخفيف الضغط على اهلنا في فلسطين لان تخفيف الضغط عليهم يعزز صمودهم وعلى وزارة العمل ان تدرك ان ابناء غزة في الاردن يعيلون اهلهم في القطاع ايضا وزيادة العبء عليهم يزيد من ازمة اهلنا في غزة ولا اظن احدا يبحث عن ذلك ناهيك عن الاضرار الاقتصادية والنفسية والوطنية عليهم ولا بد من الرجوع عن القرار.