القنبلة الهيدروجينية كـ «أداة» لتحقيق.. العدالة!

بعد صمت «صاخب».. محمول على ترقُب وحذرٍ ويقظة محسوبة، خرجت وكالة الانباء الرسمية في جمهورية كوريا الشمالية لتعلن «فَخْرَها» بقنبلتها الهيدروجينية، مُعتبرة اياها «أداة» لتحقيق العدالة، ولم تنس في معرض استخلاصها لدروس «التاريخ» القول: بأن «التاريخ» يُظهِر ان «قوة الردع النووي هي السيف الأمضى لاحباط اي عدوان خارجي».

البيان الكوري الشمالي الحافل بالمواعِظ والمُستنِد الى منطق القوة وخصوصاً في الوضع الدولي الراهن الذي يراه يشبه «قانون الغابة»، حيث البقاء للأقوى، يصعب اعتباره مجرد بروبغندا او تمسُكاً بنهج «ستاليني» متشدد، على ما دأب منتقدو هذه الجمهورية الفقيرة التي تعاني عزلة قاسية وتعيش اوضاعاً اقتصادية مروعة...القول، لا تجد غير الصين نافذة تُطِلُ من خلالها على «عالمها» الضيق والمحدود اصلاً، والتي لا تربطها به اي علاقات على اي صعيد، باستثناء روسيا، وان كانت «رابطتها» بها فاترة او مُقنّنة بل وربما بروتوكولية، يرى الطرفان انه مطلوب الحفاظ عليها في ظل موازين القوى الدولية الراهنة والتوترات الآخذة في التصاعد في تلك المنطقة، وبخاصة بحر الصين الجنوبي والمحاولات الاميركية المحمومة لتحويل مركز الصراع الدولي الى تلك المنطقة، بعد ان نجحت واشنطن - او كادت - في نسج تحالفات ذات طابع عسكري بالدرجة الاولى مع دول عديدة تُكِنُ عداء للصين او ان علاقاتها معها فاترة او متوترة.

بيونغ يانغ اذاً.. ترى في المصير الذي آل اليه معمر القذافي وقَبْلَه صدام حسين، مثالاً على الخطأ الذي ارتكبه الزعيمان العربيان عبر التخلي عن برنامجهما النووي (...) بضغط من الولايات المتحدة، مُؤكِدة – كوريا الشمالية – في الآن ذاته، انها لم ولن ترتكب خطأ كهذا، وان ضغوطاً عليها في هذا الاتجاه لا جدوى منها. هنا يمكن للمرء ان يعود الى التاريخ «القريب»، كي يقرأ ويُدقِق في مسار ومآلات المفاوضات «السداسية» الشهيرة التي جرت حول برنامجها بيونغ يانغ النووي، والتي شاركت فيها كل من الولايات المتحدة, روسيا ,الصين, اليابان, كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية والتي شهِدت سجالات وجدلاً لم ينته, إذ ما كادت تقترب في لحظة ما, الى «خريطة طريق» لاتفاق يُؤسِس لمرحلة جديدة «ما» لهذا البرنامج، مقابل «حوافز» ومساعدات مادية واقتصادية وتخفيف للعقوبات الخانقة على كوريا الشمالية، حتى تنهار تلك المباحثات ويعود التوتر ويتم التلويح بعمل عسكري، او تظهر بوادر على تحضيرات عسكرية «مُتبادلة» على خط بانمونجوم الحدودي، الذي ارساه وقف اطلاق النار قبل «63» عاما (1953)، الى ان تشيع اجواء من التهدئة تقوم بها اطراف عديدة ودائماً بعد توجيه الانتقادات والادانات اللاذعة لبيونغ يانغ حتى من «حليفتيها» الاقرب بيجين وموسكو.

ليس ثمة شكوك في ان كوريا الشمالية وبعد ان وصل برنامجها النووي الى مرحلة متقدمة واستطاعت في فترة سابقة (قبل ثلاثة اعوام بالضبط) اطلاق قمرها الصناعي الاول بما يعنيه ذلك من قدرة على تحميل الصاروخ رؤوساً نووية (دع عنك الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، التي اثارت دائما حفيظة طوكيو وسيؤول) لا تريد التخلي عنه تماماً او تقييده مقابل رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية عنها، على غرار ما توصلت اليها طهران مع المجموعة الدولية في اطار مفاوضات (5+1) رغم ان برنامج ايران النووي لم يصل المرحلة التي وصلت اليها بيونغ يانغ بدرجاته او فصوله الاولى، حيث لم تنجح طهران حتى توقيع الاتفاق–الذي سيدخُل حيز التنفيذ خلال الاسبوع الجاري على ما أكدت طهران وواشنطن–في «تفجير» قنبلتها النووية «الاولى» رغم ما تحوزه من يورانيوم مخصب وما يتوفر عليه مفاعل ناطانز من امكانات على انتاج البلوتونيوم.

عواصم القرار الدولي أمام معضلة كبيرة، إذ لا يكفي بيان الادانة الصادر عن مجلس الأمن الدولي، ولا تلك البيانات والانتقادات عالية النبرة و»الغنية» بمصطلحات الشجب والاستنكار والتنديد من عواصم عديدة في العالم، في ايجاد او طرح مقاربة تحول دون انزلاق الأمور الى مواجهة عسكرية، يعلم الجميع انها ستكون كارثية بما لا يقاس، ليس فقط على الكوريتين، بل وبما يتجاوزهما الى ساحات وميادين عديدة وخصوصاً إذا ما لجأت واشنطن الى اعادة رسم الخرائط او عبثت بالستاتيكو الجيوسياسي القائم الان... على الأقل.

كما ان لجوء سيؤول الى «تفعيل» مُضخِمات الصوت على حدودها لتقوم ببث بيانات معادية لشطرها الشمالي (الذي بادلها الفعل نفسه) لن يجعل من الحدث الضخم (كما وصفته بيونغ يانغ) المُتمثِل بتفجير قنبلة هيدروجينية، مثابة اعلان دعائي (كما المحت الى ذلك الادارة الاميركية)، لان مجرد الاعلان عن التفجير المذكور، أعاد الى الاذهان حقيقة الاوضاع المتفجرة في تلك المنطقة الاستراتيجية، ما يستدعي طرح مقاربة جديدة وجدّية لحل الأزمة المُستفحلة، بعيداً عن لغة الحرب والعقوبات والاستكبار، التي تلجأ اليها واشنطن عند تعاملها مع «المُتمرِدين» على هيمنتها واستعلائها وتلويحها الدائم باستخدام ترسانتها العسكرية.. الضخمة.