الأردن لم يقطع "شعرة معاوية" مع إيران

حتى الآن ورغم حرب السفارات التي تتصاعد ولا يُعرف أين ستتوقف، فإن الأردن قد حافظ على "شعرة معاوية" في علاقاته مع إيران، مع أنه انحاز علنا لحليفه التاريخي السعودية، وما فعله إلى هذه اللحظة وقبيل اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون، واجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية ثلاث خطوات، الأولى كانت بيان تنديد بالاعتداءات الإيرانية على السفارة السعودية في طهران والتدخل بالشؤون الداخلية، وتبعه استدعاء الخارجية الأردنية للسفير الإيراني في عمان وإبلاغه بهذا الموقف الاحتجاجي، وانتهى الأمر باتصال هاتفي من جلالة الملك مع خادم الحرمين أبلغه بموقف الأردن المؤيد للسعودية ودعمه المطلق.

والسؤال المتداول في الصالونات السياسية في عمان، هل هذا ما في جعبة الدبلوماسية الأردنية باعتبار أن ما حدث مواقف مبدئية قابلة للتصعيد والتطور مرتبطة بموقف خليجي وعربي شامل، أم أن الأردن لن يغامر أكثر بتشدده ضد إيران، ولن يسحب سفيره من طهران واستتباعاً لن يقطع علاقاته الدبلوماسية؟

من الواضح أن الأردن يحسب تحركاته بميزان من ذهب، فالتطورات الإقليمية والدولية وخاصة الميدانية في سورية وتحديداً على حدوده، لا تترك له حرية التحرك غير المحسوب، وفي اتجاه آخر فإن عمان تدرك أن طهران لم تعد معزولة دولياً بعد الاتفاق النووي، ورغم التنديد الخجول من أميركا ودول أوروبية بالاعتداءات الإيرانية على السفارة السعودية، الا أن لغة المصالح والغزل تسود، وهو ما يطلق اليد الإيرانية بشكل صارخ على سبيل المثال لا الحصر في سورية واليمن والعراق دون ردع أو حسم.

وفي الوقت ذاته فإن الأردن ينظر بشكل دقيق إلى ردود الفعل في العالم العربي بعد القرار السعودي بقطع علاقاته مع طهران، فماذا حدث؟

البحرين كانت سباقه بقطع علاقاتها مع إيران، ولكن الإمارات والكويت لم تتخذا اجراءات متشنجة، وقطر استدعت سفيرها فقط، وسلطنة عُـمان لا يتوقع أن تلجأ للتصعيد كعادتها، بانتظار قرارات قمة وزراء خارجية دول مجلس التعاون، والأمر ذاته ترقب واكتفاء ببيانات تنديد واستدعاء لسفراء إيران في بعض العواصم العربية، هذا إذا استبعدنا مواقف السودان والصومال وجزر القمر التي قطعت علاقاتها، وأيضاً لا يتوقع المراقبون السياسيون أن تتخذ اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة قرارات "ثورية" بقطع العلاقات مع إيران.

مصالح الأردن هي التي تتحكم بالموقف والمشهد، والتقديرات الدبلوماسية ترجح أن السعودية لن تضغط على الأردن ليتخذ إجراءات أكثر تشدداً حيال طهران، فهو يعرف أكثر من غيره الواقع المضطرب الذي يحيط به، فالأوضاع الميدانية على الحدود مع سورية ليست مستقرة وقابلة للانفجار، والوضع الساكن والآمن الذي كان قبل أشهر يتبدل، فقوات النظام السوري ومليشيات حزب الله تتقدم في القرى المتاخمة لدرعا، واتفاق "الجنتلمان" مع روسيا بُعَيد تدخلها العسكري في سورية بالحفاظ على وضع مستقر في المناطق الجنوبية وعدم استهداف، إنْ جاز التعبير، "حلفاء" الأردن المرابطين على حدوده لم يعد قائماً، وفي ظل هذا الوضع المتغير فإن إبقاء أبواب التواصل حتى مع طهران أكثر جدوى وفاعلية من التصعيد وقطع العلاقات معها.
ومن جانب آخر فما الذي يدفع عمان أن تضع كل أوراقها في "السلة الخليجية" الآن، لماذا لا تنوع خياراتها الدبلوماسية بما يؤمّن مصالحها سياسياً واقتصادياً والأكثر أهمية أمنياً؟

المنحة الخليجية انتهت، وهي بكل الأحوال شحيحة ولم تزد طوال خمس سنوات على أربعة مليارات دولار، وأمر تجديدها غير محسوم إلى الآن بعد تراجع أسعار النفط، واستمرار حرب اليمن التي استنزفت الكثير من الأموال الخليجية، ومن غير المعروف أين تذهب وتسير الأمور في المستقبل القريب؟

الأسبوع الجاري سيكون حاسماً في "حرب السفارات" التي اندلعت، والمؤكد بأنه لن تكون هناك حرب مباشرة بين السعودية وإيران، وتكفى الحروب المشتعلة في الإقليم بالوكالة لاستمرار معركة "عض الأصابع"، ولهذا فمن حق الأردن أن يملك هامش المناورة الدبلوماسية والسياسية الذي يمكنه أن يحافظ على أمنه لعله يستطيع أن يتقي نيرانا عمياء هو في غنى عنها حتماً!