ملاحظات سريعة على الموازنة

500 مليون دينار هي الزيادة المتوقعة على إيرادات الخزينة العامة للسنة المالية 2016، بحسب ما ورد في مشروع قانون الموازنة العامة.

الحكومة لم تشرح ما هي البنود التي سيأتي منها هذا الرقم الكبير نسبياً. لكن الخطوط العامة لمشروع القانون توضّح أنّ حجم الإيرادات المحلية سيقترب من 6.7 مليار دينار، تتوزع بين ضرائب ورسوم، يتم تحصيلها، بمعنى آخر، من جيوب المواطن والمستهلك، والمستثمر أيضا. كما من جيب المقيم والضيف.

الزيادة في الإيرادات ترتبط، من دون شك، بإجراءات وقرارات حكومية سترفع من قيمة هذا البند. وتشير البيانات إلى أن قيمة الضرائب ستزيد بمقدار 267 مليون دينار، فيما ستقفز الإيرادات غير الضريبية بحوالي 268 مليون دينار.

مسؤولون حكوميون يبررون هذه الزيادة عبر طرح سؤال: "ماذا بيد الحكومة فعله فيما النفقات ترتفع والمنح تتراجع؟"، إذ يقدر الانخفاض في حجم المنح بنحو 214 مليون دينار. وليكون الحل الوحيد هو زيادة الأعباء على الأفراد والأسر والقطاعات الاقتصادية. وهو ما يُظهر، في الوقت ذاته، عجزاً رسمياً عن اجتراح بنود جديدة توفر مداخيل للخزينة بعيدا عن جيوب الناس.

في بند النفقات، زاد الإنفاق العام بحسب موازنة 2016، بحوالي 400 مليون دينار، رغم اختفاء بند تعويض دعم المحروقات، والمقدر بحوالي 180 مليون دينار، من قائمة الإنفاق الحكومي.

والصورة العامة لبند النفقات لا تُظهر إصلاحا جذريا؛ إذ ما تزال نسبة الإنفاق الجاري مرتفعة، فتشكل حوالي 85 % من مجموع النفقات العامة، بما يشي بضعف فعالية حلول تخفيض هذه النسبة التي تقول الحكومة عادة إنها مهمة مستحيلة؛ بحجة أن الإنفاق الجاري يمسّ الناس. وهذا صحيح جزئيا، لكن لا يعني أن الحلول انعدمت.

بند التقاعد المدني أحد أهم التشوهات الحقيقية والمعيبة في الإنفاق العام، والذي تؤخر الحكومات إصلاحه كون ذلك يمسّ امتيازات ومكتسبات مسؤولين. هكذا، تأتي حكومة وترحل من دون حتى أن تفكر بالقضية، رغم ما تستنزفه من موارد مالية كبيرة. ولا يبدو أن حكومة د. عبدالله النسور تنوي الاقتراب من هذا البند أيضاً.

بالأرقام، نما بند التقاعد المدني خلال السنوات الخمس الماضية بشكل مطّرد وكبير؛ إذ زادت فاتورته بمقدار 421 مليون دينار خلال هذه الفترة. فبعد أن كانت تقدر بنحو 744 مليون دينار في العام 2010، يتوقع أنها قفزت إلى1.165 مليار دينار بنهاية العام الماضي.

الزيادة طرأت أيضا على بند نفقات الجهاز العسكري؛ إذ ارتفع لأول مرة بعد تثبيته لعدة سنوات، بحوالي 152 مليون دينار. لكنها زيادة لكامل الأجهزة العسكرية، بما يجعلها زيادة مقبولة، عدا عن كونها ضرورية ومطلوبة في وقت تخوض فيه المملكة حربا ضد الإرهاب، وتواجه وضعا إقليمياً حرجاً يضطرها لزيادة التعزيزات العسكرية على الحدود الشمالية والشرقية.

كذلك، من الاختلالات الحقيقية في موازنة العام الحالي ضعف الإنفاق الرأسمالي الذي يسهم في تحقيق التنمية المستدامة. ورغم أن الحكومة تتغنى بزيادتها قيمة هذا البند، إلا أنها زيادة صورية غير حقيقية؛ كون غالبية هذا الإنفاق يذهب لمشاريع مستمرة أو قيد التنفيذ، فيما تم تخصيص مبلغ 167 مليون دينار فقط للمشاريع الجديدة.

الملاحظة الأهم تتعلق بارتفاع قيمة عجز الموازنة كرقم مطلق، برغم تراجع قيمة دعم المحروقات، كما الزيادة الكبيرة في الإيرادات. فالقرارات الصعبة التي اتخذت خلال السنوات الماضية، ولاسيما رفع أسعار المحروقات نتيجة تحريرها وبيعها وفق الأسعار العالمية، توجب تراجع القيمة المطلقة للعجز، إلا أنه زاد ليصل 907 ملايين دينار، مقارنة بنحو 688 مليون دينار في العام 2015؛ فأين هو الإصلاح المالي الذي اتخذت الحكومة لأجله القرارات الصعبة السابقة؟

في زمن مضى، كانت الحجة في تبرير ضعف النتائج تتمثل في قصر عمر الحكومات. لكن اليوم لدينا حكومة ومجلس نواب أمضيا معا قرابة أربع سنوات، ومع ذلك لم تختلف الصورة. والسؤال الذي ينتظر إجابة، هو: لماذا لم يجنِ المجتمع نتائج كل تلك القرارات الصعبة، ولو على صعيد تحسّن المؤشرات الرقمية؟!