المال الاسود!

في الأخبار ما يدعو للحيرة. إذ أنهت اللجنة القانونية النيابية، الأسبوع الماضي، مناقشة المقترحات ذات الصلة بمشروع قانون الانتخاب. وكانت اللجنة أيدت مقترحا يقضي بتغليظ العقوبة على كل من "يستخدم المال الأسود" في الانتخابات!

هذا المال الأسود الذي يتحدث عنه البرلمان الحالي، ويسعى لمحاربته مستقبلا، كان سببا مباشرا في وصول عدد من أعضاء مجلس النواب السابع عشر، ولا أقول كل أعضاء المجلس. فكيف لعاقل أن يصدق أن من اشترى وتاجر بذمم نسبة لا بأس بها من الأردنيين عشية الانتخابات الأخيرة، سيكون اليوم المدافع عنهم، وبحيث يتحول المتهم بتنفيذ هذه الجريمة إلى القاضي بتقييدها ومحاربتها؟

قبيل انتخابات 2007، ومثلها في 2010، وبعدها الانتخابات الأخيرة في 2013، كانت جريمة شراء الأصوات واستخدام المال في سوق سوداء لشراء الذمم، أمرا واقعا لا ينكره إلا من يتعامى عن الحقائق لغايات الخداع. وتعلم أجهزة الدولة المختلفة بما سمي آنذاك "مولات الأصوات"، كما تعلم أن سماسرة الأصوات موجودون بين الناس ويتحركون في النهار والليل، يمارسون الجريمة على مرأى ومسمع الجميع.
الحكومات المتعاقبة في كل هذه الاختبارات منذ نحو تسع سنوات، لم تقم بما يجب أن تقوم به لمواجهة مثل هذه الجرائم. وأصابت هذه الجرائم سمعة البلاد في الصميم، كما أساءت للأردنيين ومجلس نوابهم. كما أن المحاولات التي حدثت عشية الانتخابات من قبيل ملاحقة بعض المرشحين المتهمين بشراء الأصوات، كانت مجرد ذر للرماد في العيون، أو للاستهلاك الإعلامي الآني وحسب، وهذا ما حدث بالفعل.

فعلى كبر حجم الجريمة، لم يدن فيها أحد. والحقيقة المؤلمة أن من بين من اشترى وباع بضمائر الأردنيين، واستغل فقرهم وجهل بعضهم أحيانا، تحول إلى "رجل تشريع ورقابة".

في التقارير التي قدمها التحالف المدني لمراقبة الانتخابات النيابية (راصد) خلال تلك الاختبارات العسيرة، اتضح أن محاربة المال الفاسد جاءت "متأخرة" من طرف الحكومة. وكشفت نتائج استطلاع أجراه التحالف قبل ثلاث سنوات أن ثلثي المستطلعة آراؤهم من الأردنيين يعتبرون أن هيئة الانتخاب غير قادرة على محاربة شراء الأصوات واستخدام ما سمي "مالا سياسيا".

خلاصة القول؛ إن من عاث فسادا بالوسط الاقتصادي المحلي، وأسس لشراء الذمم وظواهر لم يألفها الأردنيون في عقود سابقة، يجب أن يكون بمنأى عن إجراءات الحل والتحصين الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي والأمني، فكيف يكون المتهم قاضيا ومشرعا؟ والأموال في الأردن لم تكن سوداء يوما، فمن الذي لطخها باللون الأسود؟