«دمقرطة التعليم» هل هي مطلب «مثالي»!؟

ما اكثر ما نتحدث عربياً عن «حقوق الانسان» وما اكثر ما نتجاهلها أو حتى ننتهكها على مستوى الحكومات! خذ مثلاً قضية «التعليم»، لماذا لا يتم تدارسها من قبل الحكومات العربية والمجتمع المدني؟ اليس من حق كل طفل عربي ان يتعلم في المدارس والجامعات؟ سيُقال «طبعاً» ما في ذلك شك. اذا كان هذا الامر صحيحاً –وهو صحيح بالتأكيد- فأين «الفقير» من ذلك؟ الواقع اننا كعرب –وأعني المسؤولين والمجتمعات المدنية- لا نعير اليوم هذه المسألة ما تستحقه من اهتمام. لماذا لا يكون التعليم «مجانياً» في جميع مراحله الدراسية والجامعية؟ أليس التعليم من صلب «حقوق الإنسان»؟

فقراء العرب في ظل الاوضاع الاقتصادية الخانقة عاجزون عن تحمل اقساط التعليم وبخاصة الجامعي. الجامعات العربية اليوم اقساط الدراسة فيها مكلفة للغاية. لا يستطيع حملها إلا ميسورو الحال او من يلجأون الى الاستدانة او الاستعانة –هذا ان استطاعوا- ببعض الاثرياء المحسنين وما اقلهم اليوم في مجتمعاتنا العربية رغم ثرائهم المفرط!

ينتقد هذه الظاهرة المحزنة المفكر الراحل د. محمد عابد الجابري، فيروي لنا انطباعه عن ندوة انعقدت في العاصمة عمان في ربيع سنة 1990 تحت عنوان مستقبل التعليم في الوطن العربي سنة 2000. غاب عن الندوة كما رأى –رحمه الله- موضوع «دمقرطة التعليم». لم يلتفت اليه الا على نحو خجول! كأن هذا الموضوع من المحرمات! تم مَسَّهُ مساً خفيفاً، أسند امره بعد مناقشات ما بين مؤيد لمجانية التعليم ومعترض او متحفظ بدعوى ان ثمة دولاً عربية لا تقوى على دفع الاموال للجامعات لتقوم بهذا الغرض، الى هيئات «المجتمع المدني» في كل قطر.

د. الجابري رأى في الصيغة التي تناولت هذه القضية الملحة تهرباً من معالجتها معالجة دقيقة ومثمرة. اقترح الرجل اقتراحاً وجيهاً يمكن تفعيله اذا شعر المواطن العربي الغني بشعور المواطن العربي الفقير. الاقتراح يدعو «المجتمع المدني» الى تحمل نفقات التعليم لأبناء الفقراء وذلك من خلال «ضريبة تصاعدية خاصة هي «ضريبة التعليم» ويؤديها اولئك الذين يحصلون على دخل يتجاوز عتبة الضروريات والحاجيات الى درجات الكماليات والتحسينات».

اقول إنه اقتراح وجيه، لكن من يعلق الجرس اذا جاز التعبير؟ اين المجتمع المدني القادر على القيام بهذا الدور؟ لا بُد من اريحية اثريائنا في الاقطار العربية. أثرياؤنا إن خلصت نوايها قادرون على تحمل «ضريبة التعليم» قادرون ان يوفروا مجانيته لِ»الغلابى» من مواطني بلدانهم الذين قد لا يجدون المال لسد رمق أطفالهم!.

قلت ان «التعليم» حق من حقوق الانسان. الحديث العربي عن «الديمقراطية» يظل ناقصاً دون توفير هذا الحق لكل طفل عربي يدخل المدرسة وينتهي - ان تمكن علميا ً- بالجامعة. وعلى ما اذكر اننا شهدنا مثل هذه «المجانية» او قريباً منها في بعض الاقطار العربية كمصر والعراق وسوريا بعد الثورات، ثورات الاستقلال التي حدثت فيها. كانت الرسوم الجامعية زهيدة تكاد لا تذكر. اليوم تغير الحال، زادت الاقساط زيادة كبيرة. في العراق في حقبة السبيعنات من القرن الماضي كان التعليم إلزامياً و»مجانياً» في جميع المراحل الدراسية، كذلك في اقطار اخرى.

وهنا اتساءل: لماذا اذا لم ينجح مثل هذا الاقتراح أعني «ضريبة التعليم» لا يُصار الى انشاء جامعات «غير ربحية» ينفق عليها اثرياؤنا العرب من اصحاب الملايين!

نحن بحاجة الى «أريحية» قبل كل شيء. وهنا اذكر انني وبرسالة ارسلتها الى احد اثريائنا في هذا البلد – واسمح لنفسي ان اذكر اسمه- هو الحاج علي القرم رجوته مع مجموعة من «نُخب» المجتمع المدني ان يقوموا بهذه المهمة النبيلة وهم اهل لها، وسعاة خير. يقيني ان تفعيل «ضريبة التعليم» يمكن ان تخدم الكثيرين من فقرائنا، ترفع عنهم اعباء ثقالاً.

انني واثق اذا ما تم تفعيل اقتراح «ضريبة التعليم» على نحو مدروس ان ابناء الفقراء سيجدون فرصتهم في الدراسة الجامعية. اقساط دراستهم سيتم تغطيتها من قبل صندوق «ضريبة التعليم». بتفعيل هذا الاقتراح على الارض سيتساوى ابن الغني وابن الفقير في حق انساني مشروع!

قلت اننا بحاجة إلى من يُعلق الجرس ويباشر بتنفيذ هذه الخطوة المباركة. اهيب بأثريائنا ان يساندوا هذا الاقتراح. فلتكن «زكاة» اموالهم يصب بعضها في هذا المجال. وليعلموا ان المال مال الله. فلا تضنّوا به، فانتم ملاقو ربكم يوم القيامة، وانفاق جزء منه في الخير سيكتب في حسناتكم. واعلموا –ايها الاحباء- ان الحياة الدنيا زائلة وكلنا على سفر!