النمو الاقتصادي والعجز المالي.. ماذا يقول الصندوق؟

يعتبر نظام الأولويات أهم أداة تقود صانع القرار الاقتصادي، ذلك أن الأهداف الاقتصادية المرغوب في تحقيقها قد تكون متناقضة، بحيث أن تحقيق أحد الأهداف لا يكون إلا على حساب هدف آخر.
أحد أهم التناقضات الرئيسية الراهنة في السياسة الاقتصادية تحفيز النمو الاقتصادي من جهة وتخفيض عجز الموازنة وبالتالي المديونية من جهة أخرى.
هذان الهدفان مرغوب فيهما. المشكلة أن أحدهما يمكن أن يتحقق على حساب الآخر ، فتحفيز النمو الاقتصادي يتطلب زيادة الإنفاق العام وخاصة الرأسمالي مما يزيد العجز ويرفع المديونية.
بعثة صندوق النقد الدولي ، التي زارتنا مؤخراً ، واجهت هـذه الإشكالية ، فما كان منها إلا أن طالبت بالموازنة بين تحفيز النمو وتخفيض العجـز ، وهذا حل إنشائي ، يصلح إعلامياً ، ولكنه لا يرشد صانع القرار.
المعروف أن درء الضرر أولى من تحقيق المنفعة، وفي هذه الحالة فإن زيادة عجز الموازنة وارتفاع المديونية هو الضرر، في حين أن تحسين نسبة النمو الاقتصادي هي المنفعة.
منطق الأولويات يجب أن يقود السياسة الاقتصادية باتجاه تخفيض العجز ومنع المديونية من التفاقم ومحاولة تحفيز النمو بإجراءات أخرى غير رش الماء المقترض، وهذا ما يجب أن يكون لب عملية الإصلاح الاقتصادي.
يؤيد هذا الخيار أن النمو الاقتصادي لا يتوقف على حجم إنفاق الحكومة الجاري والرأسمالي فقط، فالجزء الأكبر من النمو يحققه القطاع الخاص، وفي حين أن السيطرة على العجز والمديونية لا تحققها سوى إجراءات الحكومة.
من النفاق والجبن والتهرب من المواجهة برفع شعار تحفيز النمو الاقتصادي وضبط العجز والمديونية في الوقت ذاته، فالأساس أن نقرر من له الأولوية في حالة التناقض القائمة.
كان على خبراء صندوق النقد الدولي أن يتحلوا بالجرأة، ويقولوا لنا ما إذا كان يجب زيادة الإنفاق لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، أم تخفيض العجز في الموازنة وميزان المدفوعات والحيلولة دون تفاقم المديونية.
النمو الاقتصادي مهم جداً، ولكن يجب استنفاد جميع الوسائل الأخرى لتحفيزه غير الوسيلة السهلة وهي التوسع في الإنفاق الحكومي بأموال مقترضة. ماذا عن تحسين مناخ الاستثمار وجذب المستثمرين؟