امتحان الرياضيات

تمثل الاختبارات بأشكالها المختلفة الوسيلة الأهم لتقييم أداء الطلبة ودرجات الاستيعاب في السنوات الدراسية، باعتبارها أداة التقييم الأهم لقياس درجات الكسب المعرفي التي تؤهل لصقل الشخصية، وربما يحتل امتحان التوجيهي بالذات منزلة خاصة لاعتبارات متعددة أهمها أنه المحطة الأخيرة بسنوات الدراسة المدرسية، الامتحان الوحيد الذي يعقد على المستوى الوطني بأسئلة موحدة للفروع المختلفة وتحت الإشراف المباشر لوزارة التربية والتعليم، مؤهل الصدارة الذي يسمح بدخول كليات الجامعة؛ فمعدل التحصيل يسمح أو يسهل أو يمنع من دخول كلية معينة ويطبق خلاله نظرية العلاقة الطردية مع درجة المعدل، امتحان يتطلب حدوث حالة استنفار على المستوى العائلي والمستوى الوطني حتى ولو بصورة عفوية.
هذا الواقع يتطلب بل ويفرض على اصحاب القرار والمشرفين على هذا الامتحان باحترام قدسيته وبرمجته بالشكل الذي لا يجعل منه نقطة مفصلية عدائية معقدة، بل يتوجب أن يراعي الظروف وأعصاب الطلبة المشدودة بحيث يصاغ جدول الامتحان ببداية موفقة تساعد على القفز عن حاجز الرهبة والخوف، ويتمثل ذلك باختيار مادة دراسية تنال القاسم المشترك بالقبول بين الطلبة لتكون محفزا للأداء مثل مادة اللغة العربية مثلاً، ويتطلب الأمر أيضا أن توضع الأسئلة من قبل لجنة فنية متخصصة من أرض الميدان التعليمي والتي مارست وتمارس طقوس التدريس حتى الوقت الحاضر، وأنا أدرك معاناة اللجان المناط لها وضع أسئلة الامتحانات لتحقيق درجة المساواة، وحتى أكون موضوعيا وأدخل في صلب الموضوع فلا بد من الذكر بمنتهى الصراحة أن برنامج امتحان شهادة الثانوية العامة للدورة الشتوية الحالية قد بدأ بداية غير موفقة خصوصا بالفرع العلمي، فمادة الرياضيات أساسية وصعبة ودقيقة، وقد شكل الامتحان بفقراته الخلافية صدمة كبيرة للمتقدمين بل كان عامل إحباط أثر على أداء الطلبة داخل قاعة الامتحان وعلى أسئلة الامتحان الأخرى، فهناك إجماع اتهام بخطأ السؤال الرابع بفرعيه، فالفرع أ من السؤال الرابع لوجود خطأ في المعادلة المعطاة، والفرع ب لاحتوائه على معلومات تساهم بتشتيت فكر الطالب، وهناك خطأ جوهري بالاجماع بصياغة الفرع ب من السؤال الخامس كونها خارج المنهاج المقرر للسنة الحالية حتى لو درسها الطالب قبل خمس سنوات، والمؤسف بإصرار أفراد إدارة الامتحانات وبعض أصحاب الأجندة الدراسية الخاصة على صحة الفقرتين ضمن عبارات انشائية بعيدة عن طريقة تفكير الطالب المجتهد بحجة أنها محاكاة لمهارات رياضية متراكمة لتميز الطلبة، وقد زادني حسرة ما ذهب اليه البعض بالمطالبة بإعادة الامتحان وكأن الاعادة أمر سهل على الطلبة والمجتمع غير مدركين للأبعاد السلبية المدمرة على مستقبل الأبناء المعنيين بالأمر لأنهم النقطة الأضعف بمعادلة القرار، كما أن التفكير بتوزيع علامات الفرعين السابقين على بقية الأسئلة هو خطوة انتحارية لجهود الطلبة التي اجتهدت بصرف جزء يسير من وقت الامتحان لحرصها على تحصيل علامة أعلى دون أن تدرك على مستواها بأنها تقاذف معادلات رياضية خاطئة بالصيغة والنتيجة، ولكنني على ثقة بمعالي وزير التربية والتعليم الأستاذ الدكتور محمد ذنيبات بتفهمه وحرصه على أبعاد وخطورة الأمر الذي يتعلق بمستقبل أبنائنا لينحاز للحلول الصحيحة بقناعة تتمثل بإحتساب علامة الفقرتين كاملة لجميع الطلبة، خصوصا بعد التباين في الآراء بين الأساتذة أصحاب الاختصاص بتدريس مادة الرياضيات وإجماعهم؛ صعوبة الامتحان، عدم إعطاء الوقت الكافي واللازم لمحتوى مادة الامتحان لمستوى الطالب المتوسط التحصيل، وجود فقرات صياغة أو فرضيات استنتاج غير صحيحة، إضافة للفقرات الخاطئة التي أصبحت مدار الحديث على المستوى الوطني واحتلت مساحات كبيرة من مناقشات مجلس النواب وأعمدة الصحافة اليومية وأحاديث المجالس العائلية. وللتذكير، لم نسمع مثل هذه الانتقادات والمناقشات لأسئلة اللغة العربية، الكيمياء، الحاسوب لأنها كانت شاملة وضمن المنهاج فحققت معايير الامتحان المثالي لقياس درجة التحصيل بين فئة الطلبة المشاركين بالامتحان. أتمنى بقرار جريء يعلنه معاليه بأقرب فرصة بمبادرة قناعة تساعد بتهدئة أعصاب الطلبة وتطمئنهم بالحرص التربوي على مستقبلهم وتجسد العدالة بإمتحان المصير.