رحلت بيان وجاء عدنان ... والتلفزيون الأردني بأمان

أخبار البلد- كتب نجم الدين الطوالبة :رحلت بيان وجاء عدنان ... والتلفزيون بأمان

حين قررنا نعي مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وتشييع جنازتها قبل شهرين من خلال ستة وأربعين موقعا إخباريا ... كانت المؤسسة في غرفة العناية المركزة بعد أن أصيبت بالشلل التام وعسر الهضم وضيق التنفس والإسهال والإنزلاق الغضروفي بسبب بعض الأطباء (الغير مقيمين) الذين تقاطروا بواسطة البراشوت لعلاجها بدءا من ناصر جودة ومرورا بنارت بوران وأيمن الصفدي وفيصل الشبول وجرير مرقة وصالح القلاب وبيان التل ... والسبب في فشلهم الذريع كما أسلفنا في مقالة النعي هو أنهم ليسوا من مواليد التلفزيون لا من حيث الولادة الطبيعية ولا من حيث الولادة القيصرية ، بل كانوا يحملون تأشيرة دخول مؤقت لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون لمدة سنة على الأكثر أو لأربعة اشهر ويومين فقط كما حصل لبيان التل .. وسرعان ما يتم ترحيلهم بقرار من مجلس الوزراء خارج أسوار المؤسسة بعد أن يتجاوزوا مدة الإقامة المؤقتة .

قبل حوالي عشرين يوما هاتفني أحد العرابين في رئاسة الوزراء وأبلغني أن قرارا وشيكا سيصدر بتعيين الزميل عدنان الزعبي مديرا عاما لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون وأن المطلوب دعم (هذا الرجل) وتخفيف الضغط على التلفزيون من خلال (موقع الجوهرة الإخباري) على الأقل خلال الأشهر الثلاثة القادمة .

في اليوم التالي وحين صدر قرار مجلس الوزراء بتعيين الأستاذ عدنان الزعبي حمدت الله كثيرا واستبشرت خيرا من حيث أن المدير العام الجديد هو مولود حقيقي من رحم مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ... عاش وتدرب في كنف المرحومة الإذاعية الإدارية الفاضلة عائشة التيجاني ، وترعرع في حماية المرحوم الإعلامي والإذاعي القدير علي الغرايبة وبإشراف مباشر من رب الأسرة الإذاعية معالي الأستاذ مروان دودين أطال الله في عمره .

ولأنني لست من هواة التقبيل  للمدراء العامين ولست من دعاة المباركة لهم عند تقلدهم لمناصبهم ، فقد كنت أسمع من الزملاء فقط أثناء زحمة العمل في غرف المونتاج أن هذا اسمه ناصر وذاك اسمه ايمن والآخر اسمه جرير ... إلا أنني هذه المرة كنت مضطرا للإنصياع لقاعدة (أن نبضات القلب باتجاه من تحب ليست إدارية ) ولهذا قررت كسر القاعدة واقتنصت قبلتين من الزميل عدنان الزعبي صباح الأمس الأربعاء في مكتبه الذي أتمنى ان يدوم أكثر مما دام لغيره بضعفين .

وعلى مدى سبع وثلاثين دقيقة سمعت من عطوفته حديثا يثلج الصدر وطرحا يريح النفس واندفاعا فيه قوة وانفتاحا واتزان ... وهو عدنان الزعبي الذي لم ولن ولا يستطيع أي شخص يعرفه جيدا إلا أن يقول فيه أنه واسع الصدر ودمث الأخلاق ... يعرف كيف يستقبل الناس بأدب ، ويعرف كيف يودع الضيوف بتأدب ... على عكس (ولاة بني أميّة) الذين سبقوه والذين كانوا يفتعلون المعارك الجانبية مع الموظفين من خلال اعتمادهم على (زمرة) معينة من المتزلفين الوصوليين الذين اعتادوا على استقبال المدير العام بالتصفيق والانقلاب عليه بالتلفيق .

وعلى الرغم من أنني مارست كل أنواع البخل في وضع المعلومات أمام المدراء العامين الذين رحلوا ، إلا أنني كنت كريما نوعا ما في كشف بعض المعلومات لعطوفته ، وكنت أرغب أن أكون أكثر كرما وتفصيلا وانفتاحا عليه لولا دخول بعض الزوار فاضطررت للإحجام عن البقية إلى حين .

إن أمام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون فرصة ذهبية وحقيقية لمغادرة غرفة العناية المركزة التي ترقد بها منذ خمسة عشر عاما بغيبوبة دائمة ، وذلك من خلال تجاوب الإدارة مع الموظفين ، ومن خلال التحام الموظفين والتفافهم جميعا حول الإدارة الجديدة ، خصوصا وأن الزميل المدير العام الجديد كما فهمت منه شخصيا لا يؤمن بزمرة البررة الذين سرعان ما يلتفون حول أي مدير عام جديد لتجييره  وتسييره ومن ثم تطييره الى غير رجعة .

إن إدارة البرامج بشكل خاص ، ونوعية وطريقة طرح البرامج بشكل عام هي مقتل المدير العام إذا تُركت ، وبنفس الوقت هي نجاح المدير العام إذا ضُبطت ، وبالتالي فإن مهمة (قلب طاولة البرامج) بأسرع وقت ممكن وانتشار الكاميرا الميدانية خارج العاصمة وخصوصا القرى والأرياف والبوادي والمخيمات والصحراء والأغوار ، ومنح حرية أكبر وحوار أوسع يتناغم مع الرغبة الملكية السامية بإعادة صياغة الخطاب الإعلامي التلفزيوني من جديد من خلال البرامج الحوارية المباشرة هي أولوية لأية إدارة تلفزيونية تجتهد باتجاه الإنجاز والنجاح .

إن العواصف الإدارية الطارئة والزوابع المزاجية المؤقتة قد أذبلت العديد من حُزم الورد التي كانت تُزين شاشتنا كمذيعات، واقتلعت العديد من أشجار السنديان من حديقة التلفزيون كمذيعين وفنيين ، ولكن الشكر لله الذي أبقى بحكمته ذلك الهرم الفني الهندسي (المهندس سفيان النابلسي) والذي رغم تعرضه للعديد من الزلازل والبراكين فقد بقي صامدا أمام تلك الرياح العاتية ولم ينحن عوده بعد أن اثبت وجوده ، معتمدا على موروثه من تراكم التجربة ونظافة اليد ودفء اللسان وسرعة البديهة ، وهو الهرم الذي يمكن للإدارة الجديدة الموقرة الإعتماد عليه إداريا وهندسيا وخصوصا فيما يتعلق بتوضيح خطوط الإستراتيجية الجديدة للمؤسسة لتكون منسجمة مع ما يُطرح في أروقة اللجنة المشكلة من قبل مجلس الوزراء والمؤلفة من السادة وزير الثقافة وأمين عام وزارة التنمية السياسية وأمين عام وزارة الثقافة ومستشار دولة الرئيس الإعلامي ومدير عام هيئة المرئي والمسموع .  

ولهــــذا ... فحين تقدمت باستقالتي من التلفزيون الأردني قبل ثلاث سنوات ، لم يكن ذلك بسبب خوفي من بطش المغول أو استفزازات التتار ، او بسبب جنوح بني أميّة عن جادة الصواب ، بل تقدمت باستقالتي لأن تسعة آلاف دولار كانت بانتظاري شهريا لكي ارتمي بأحضان إحدى الفضائيات العربية ، وحين اكتشفت أن هناك مساومة صريحة وواضحة على إنجازات وطني وقيادته وتاريخه واستقلاله مقابل تسعة آلاف دولار شهريا من تلك الفضائية ، تذكرت قول الشاعر :

تموت الأسد في الغابات جوعا          ولحم الضأن يُرمى للكلاب

فآثرت أن أبقى أسدا أردنيا هاشميا (جائعا) على أن أحطم شرفا وطنيا تعبت على بنائه خمسين عاما .

وخلال السنوات الثلاث الماضية (كمتقاعد) بقيت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون (عن قرب وعن بُعد) بمثابة بستاني الذي يأخذ كل وقتي بالمراقبة والمتابعة والتنسيق مع الزملاء الذين ما زالوا على راس عملهم لكي لا تستمر على التلفزيون فصول الخريف التي امتدت خمسة عشر خريفا ، وهي أمنيتي وأمنية كل الموظفين الشرفاء بأن يعود الربيع إلى شاشة التلفزيون الأردني من جديد ، بعد أن أكدت لنا دائرة الأرصاد الجوية صباح اليوم بأن موسما مطريا (زعبيا) مصحوبا بعواصف رعدية (طاهرة) ولكنها ليست عدوانية بدأ يهب على جزيرة التلفزيون لكي يعيد الخضرة إلى عروقه من جديد .

نجم الدين الطوالبة

مؤسس ورئيس تحرير موقع الجوهرة الإخباري