المنطـقـــة عـلــى « خــط الـنـــار»..!!

"ايام سوداء تنتظر هذه المنطقة”، ليس مجرد تنبؤ ،بالطبع، وانما استخلاص للوقائع والاحداث ، خاصة بعد انفتاح ابواب "الشرور المذهبية” ، وانغلاق قنوات السياسة وتصلب شرايينها ايضا.

في الافق ، يبدو ان الصراع بين ايران والسعودية ، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية، سيكون مدخلا لتأجيج نيران الحرب من جديد ، ليس في سوريا فقط وانما في اليمن والعراق وربما لبنان ايضا ، ايران لن تخوض الحرب بشكل مباشر وانما ستوظف "اذرعتها” وميليشياتها لابقاء هذه الدول في حالة حرب متواصلة ، واستنزاف المحور "الآخر” الذي تشكل من السعودية وتركيا وربما قطر ايضا ، وهي بالتالي ستوطد تحالفها مع روسيا لفرض واقع جديد يسمح لها بالحفاظ على مناطق نفوذها وارغام خصومها على القبول والاستسلام.
المبارزة "الدموية” بين المحورين : الايراني من جهة والسعودي من جهة اخرى ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات ، فلدى كل طرف اوراق قوة واوراق ضعف ، لكن يبدو ان السعودية انتقلت من الدفاع الى الهجوم ، فقد فاجأت طهران باربعة اهداف : الحرب في اليمن ، ثم خفض اسعار النفط ، ثم التحالف مع تركيا من خلال اتفاق التعاون الاستراتيجي ، واخيرا اعدام "النمر” وقطع العلاقات الدبلوماسية، ومضمون الرسالة السعودية هنا واضح ، وهو :ان " الكيل طفح” ، وان اللقاء بين المشروعين اصبح مستحيلا ، واخطر ما في الموضوع ان هذا الصدام - ان وقع – سيأخذ طابعا مذهبيا ، واعتقد ان طهران هي التي سعت الى ذلك ، والا كيف يمكن ان نفهم ما فعلته بعد اعدام "النمر” وكأنه مواطن ايراني ، وليس سعوديا ، بما يعني ان طهران التي تعتبر نفسها "وصية” على الشيعة في العالم اختارت عنوان "الطائفة” لحروبها في المنطقة ، واصبحت تتحدث بشكل سافر ومكشوف بمنطق "المذهب” وليس بمنطق الدولة او الجارة ، و لا حتى الثورة ايضا.

على ايقاع الانتخابات الايرانية (آذار 2016) ستدق الحرب طبولها ، ليس بين التيار المحافظ والتيار الاصلاحي فقط ، وانما بين ايران الدولة والثورة وايران الامبراطورية العسكرية التي انفتحت شهيتها "المذهبية” على التمدد والتوسع وبسط النفوذ "بالقوة” وليس بتصدير افكار الثورة بين المستضعفين ، لكن هذه الشهية ستصطدم بجيل جديد يخوض الانتخابات لاول مرة ، وهو جيل ما بعد الثورة وما بعد الحرب على العراق، جيل يحاول ان يدق الخزان الايراني لانتزاع الحرية والامن " والدولة المدنية ايضا” ، كما ستصطدم "ببازار” ارهقته الحروب وموازناتها الباهضة ، واستنزفته الحصارات الاقتصادية والسياسية المستمرة ، وان كان تعود عليها ، لكنه يريد الخروج منها.

ومع ذلك فان منطق الحرب الذي تعمدت طهران ان تختاره لاعادة الاعتبار لطموحاتها الامبراطورية سيفرض نفسه على الجميع، وسيدفع الاصلاحيين واتباعهم الى الانسحاب امام "سطوة” مشروع المحافظين والآيات والعسكر ، وستكون المنطقة امام "مناجزة” مذهبية لن تتوقف الا بقبول طرف ما بتجرع "كأس السم” كما فعل الخميني قبل 28 عاما.

ليس بعيدا عن مشهد الصراع ، ستكون "داعش” حاضرة بقوة ، فمعركة الرمادي التي كانت بمثابة "بروفة” لاستكشاف قدرة الجيش العراقي واختبار جدوى الحرب البرية في وضع نهاية لاسطورة داعش، لم تتجاوز حالة "قص الاظافر” ، فالتنظيم وان كان تعرض لبعض الخسائر الا انه اثبت ان المعركة معه طويلة ومكلفة ، كما ان الاستثمار فيه ، حتى من بعض الاطراف التي تعلن الحرب عليه، مسألة ممكنة ايضا.

اذا، لا يوجد اي امل في هذا العام على الاقل بعودة "تشغيل” ماكينة السياسة التي تعطلت ، ولا بوقف ساعة الحرب التي دقت ، ولا بانتصار صوت الحكمة الذي اختفى ، فالمنطقة على موعد مع انفجارات ممتدة، وحروب وصراعات على تخوم الوطن والمذهب والطائفة ، وامام تحولات مفتوحة قد تقلب الموازين من جديد، اخطرها ما يجري على خط معسكري طهران والرياض ، فهو – وحده- كفيل باعادة التاريخ مئات الاعوام للوراء ، حيث "حرب الثلاثين” الدينية التي زلزلت اوروبا آنذاك.

يبقى السؤال : هل سنذهب باقدامنا الى "حفرة” التاريخ ، ونكرر كوارث جربناها وجربها غيرنا ..؟ اذا فعلنا ذلك سنخسر جميعا وستصب دماؤنا في " ارصدة " اعدائنا "الاصليين” الذين يجلسون على النظارة ويمدون الينا السنتهم شامتين.