هل يجرؤ “الإخوان” على طرح هذا السؤال..؟!


السؤال الوحيد الذي لم تطرحه قيادة جماعة الإخوان المسلمين حتى الآن، لا على نفسها ولا أمام الجمهور، هو : هل اخطأنا..؟
قليل من الاسلاميين ( دعك من غيرهم من اليساريين والقوميين والليبراليين) يجرؤ على طرح هذا السؤال، وانا اتفق تماما مع ما ذهب اليه الصديق القيادي السابق من حماس (د . احمد يوسف) حين ذكّرنا بهذه "الطبيعة” الغريبة التي وصمت تفكير بعض المحسوبين على الحركات والجماعات الاسلامية، فهم لا يعترفون بأخطائهم ولا يتعلمون من اخطاء غيرهم، ولا يريدون ان يصححوا اعوجاجهم، ويعلّقون كل مصائبهم في رقبة الآخر الذي يتهمونه دائما بالتآمر عليهم، وحين تدق ساعة الانتقاد يرفعون ايديهم بالدعاء على كل من لا يدافع عنهم أو يؤازرهم..!

من اي تربة خرجت مثل هذه الثقافة "الاسلامية " التي لاعلاقة لها ابدا بالاسلام ( ولا بالسياسة ايضا)..؟ من محنة الاحساس بالمظلومية ام من تحت عباءة الفوقية والاستاذية التي انتجت وجوب الطاعة وفرض اسيجة الممنوعات والمحظورات، ام من عقلية الشك والريبة بالآخر، حتى لو كان هذا الآخر "اخا من الاخوان "و جزءا من المشروع ، ام من دائرة "الايمان المغشوش” الذي يتصور المبتلون به انهم دائما على الحق والصواب، وانهم الناجون الوحيدون في الدنيا والاخرة وكل من سواهم على خطأ وفي ضلال مبين ومصيره الى الجحيم..؟

ما علينا، فقد كان بوسع الاخوان الذين حاصرتهم ازماتهم الداخلية ان ينظروا الى صورتهم في المرآة، لكي يواجهوا الحقيقة المرة اتي انتهت بهم الى هذا المصير: هل يمكن لعاقل ان يصدق ان استقالة مئات الاعضاء ( ومنهم قيادات ومؤسسون) من حزب جبهة العمل الاسلامي مجرد "حرد” على قيادة الحزب والجماعة، او مجرد بحث عن الشهرة ونزاع على المواقع والمناصب، ارجو ان تدقق معي في الطريقة التي تعاملت بها قيادات الحزب الحالية مع الازمة، الناطق باسم الحزب قلل من شأن ما حدث وشكك في عدد الاسماء وارقام الوثائق وذكّرنا ان بعضهم لم يسدد الرسوم ، اما رئيس مجلس شورى الحزب فقد اعتبر ان الاستقالات "اخذت طابعا اعلاميا ودعائيا صرفا” وانها " جاءت للضغط على قيادة الحزب الحالية والشرعية والقانونية والمعترف بها رسميا والمشهود لها بحسن ادائها وانجازاتها في نشر رسالة الحزب على امتداد ربوع الوطن بالخير والمحبة والمودة والانفتاح : ثم لم ينس ان يؤكد " ان كل تلك الضغوطات لن يكون لها اي اعتبار او اثر او قيمة” .

تعمدت ان اقتبس هذا النص حرفيا من بيان رئيس مجلس شورى الحزب، ليس فقط لأعبر عن صدمتي من هذا الخطاب الاستعلائي الذي يذكرنا بخطابات انظمة القمع والاستبداد في عالمنا العربي، ولا لكي اقول: ان صاحبه يتبوأ موقع "الشورى” في الحزب وانه بالتالي يعكس قيمة الشورى التي يؤمن بها، وانما اردت أن اشير الى مسألتين : الاولى هي ان هذا البيان يعبر عن المنطق الذي يتعامل به "الإخوان " مع اخوانهم الذين جمعتهم بهم اخوّة الدعوة والعشرة الطويلة وتربوا على "ادبيات البنا” واقسموا على ألا ينسوا الفضل بينهم، فكيف يمكن ان نتصور خطابهم مع جمهورهم وخصومهم، واذا كانت العبارات التي وردت في البيان لا تحتاج الى تفسير فانها كما يلاحظ القارئ جاءت محملة بلغة التجريح والتهديد تجاه المختلف معه، في محاولة لشيطنته وتحميله مسؤولية الخطأ، مقابل تبرئة الذات والمبالغة في مدحها واعلان براءتها والافتخار بانجازاتها، اما المسألة الثانية فهي ان البيان – كما هو خطاب معظم الجماعات الاسلامية- يتجنب الاعتراف بالخطأ ويصر على ان الازمة في مكان آخر ويتعمد انكارها، وهذه الحالة اصبحت ملازمة للاخوان خلال السنوات الماضية : حين خرجت زمزم اتهموا اصحابها بالعمالة مع الاجهزة، وحين استقال الحكماء قالوا: ثلة من "الحردانين”استثنوا من توزيع المكاسب، ..وهكذا، والمشكلة هنا لا تتعلق "بالانكار” وانما بالتبرير الذي يتعمد التنصل من المسؤولية مقابل الاساءة والتخوين وربما التكفير احيانا، والنتيجة هي تقطيع الحبال وهدم الجسور بين الاخوان مع بعضهم او مع جمهورهم، وعندئذ يتحول الاخوة الى اعداء، والاصدقاء الى خصوم ..وشامتين ايضا.

هل كان بوسع قيادة الجماعة ان تعترف باخطائها..؟ كان يفترض ذلك بالطبع، لكنها حتى الآن لم تفعل، ليس فقط لانها تعتقد انها لم تخطئ او انها تشعر بالخجل من الاعتراف وانما ايضا لانها لاتجرؤ بالفعل على ممارسة هذا النوع من السلوك الذي لم تألفه، ولو انها فكرت مجرد تفكير بممارسة ذلك لما تعاملت اصلا بمنطق العقاب والاقصاء مع الذين خرجوا من الجماعة او الحزب بعدما راودهم سؤال : اين أخطأنا؟؛ لأن طرح مثل هذا السؤال كان وما زال محرما بموجب "حق السمع والطاعة” الذي يفرضه التنظيم على الجميع.

اذا سألتني عما يمكن للإخوان ان يضعوه في جدول سؤال "الخطأ” ، او في قائمة المراجعة، فسأجيبك بان القائمة معروفة لديهم، واذا كانوا جادين في البحث عنها فهي لدى اخوانهم الذين بادروا الى محاورتهم وصولا الى التوافق معهم، لكن المهم ان يخرجوا من صندوق "وهم الحق والانجاز والصواب” الذي تختزله "الانا " والذات، الى واقع الاعتراف بالخطأ والاختلاف والانفتاح الذي يتساوى على اساسه الجميع ويتشاركون في التوافق عليه ايضا.