كتابة بالثلج على الفحم !!

تكتب السماء بالأبيض البكر الناصع على أرض سوداء، تماما كما كنا في طفولتنا نكتب بالطبشور الابيض على اللوح الاسود، فيتّضح الفارق بين النقيضين .

وحين تنذر الأرصاد بتساقط الثلوج ينقسم الناس إلى سعيد بالنّبأ لأنه هيأ له كل شيء، من الدفء والكستناء الى التفاف الاسرة تحت سقف واحد، والى خائف مصاب بالقشعريرة من هذا النبأ الأبيض، لأنه يدرك ما سيترتب عليه من شقاء، فالثلج قد يكون نعمة للأغنياء بقدر ما هو نقمة على الفقراء وملايين المشردين في اصقاع هذا الكوكب الذي اوشك ان يتوقف عن الدوران لفرط ما على ظهره من حمولة البؤس والدم والبكاء .

الثلج يكشف منسوب التقارب والتباعد بين البشر حتى لو كانوا من عائلة واحدة، ويصل الاختبار ذروته حين تنقطع الكهرباء او يكف الستالايت عن البث تحت وابل الثلج والأرجح ان الإنسان الحديث يستشعر في داخله بردا آخر اشد من برد الجليد، هو الوحشة المزمنة والحياة شبه السرية التي يعيشها بمفرده، واذا كان التلفزيون لعب دورا في القضاء على حميمية التواصل بين الناس حتى داخل الأسرة، فإن الإنترنت أكمل الرواية؛ ما حوّل الحياة كلها وليس الواقع فقط الى شيء افتراضي، والمفارقة هي ان من يتوهم بأن لديه الاف الاصدقاء يجد نفسه في لحظة ما وحيدا مثل رمح مغروز في الأرض، ويصدق عليه قول الشاعر وهو انه يفتح عينيه على كثير لكنه لا يرى أحدا!.

الكتابة بالابيض على هذا السواد اللانهائي قد تكون واضحة تماما لكنها ليست بالفصاحة والحصافة الكافيتين لفرز القمح عن الزؤان والشحم عن الورم .

وما يسمى الآن انتقام الجغرافيا أو تصفية الحسابات التي تمارسها الطبيعة ضد من انتهكوها ليس سوى أول الدمع لا الغيث، والناس الذين يعانون من كوارث الطبيعة وقسوتها يضيفون الى معاناتهم قسوة التاريخ، وهناك أمكنة في عالمنا العربي يزيد فيها منسوب الدم والدمع عن منسوب المطر، والبياض يصبح بسواد الفحم لمجرد أن يلامس سطح هذا الجحيم .

ومن يدري ؟ لعلّ زمنا سيأتي تصبح فيه كتابة السماء بالأسود على الأبيض وتنقلب المعادلات كلها، بحيث يصبح الإنسان أشرس وأعنف حيوان في هذا الكوكب !!.