الإخوان.. تجديد.. أم موت سريري ...

جماعة الإخوان المسلمين وفي أجواء احتفالاتها بعامها السبعين تواجه أزمات لا تنتهي ومحنة غريبة الأطوار بعض أبعادها يمكن تفهمه والآخر عصي على الفهم؛ فهل هي أعراض شيخوخة أم روح التجديد؟ وهل تحاول الجماعة استخدام خبرتها التنظيمية فتنحني في وجه العاصفة؟

في الأردن لا أحد يظن أن الانشقاقات والتوالد والاستقالات وقصص التراخيص القديمة والجديدة عفوية. ولا أحد يعتقد أن بمقدور الجماعة الصمود تحت وابل النيران الصديقة والصديقة جدا وغير الصديقة. فالأحداث مثيرة للمراقبين والخصوم والمشهد يثير الكثير من الأسئلة حول مستقبل الجماعة ومصير شيوخها وأموالها وجماهير المنتفعين والأتباع ونوعية الخطاب الجديد وكيفية التعامل معه.

في تشرين الأول الماضي وخلال ورشة سياسية نظمها مركز القدس للدراسات في بيروت، جرى بيني وبين أحد الأقطاب المنشقين عن الجماعة الأم حديث مطول حول المشهد الحزبي في الأردن ومحنة الإخوان وعلاقتهم بالدولة والمجتمع، ومستقبل الجماعة وذراعها السياسي وأولادها الشرعيين الذين جرى تبنيهم. وقلت له ممازحا كان الإخوان حزبا فأصبحوا ثلاثة في واحد بعد الحركات التصحيحية التي قادها إرحيل الغرايبة، فولدت زمزم والجمعية المرخصة التي تزعمها المحامي عبد المجيد الذنيبات. وأردفت بأن الجماعة سبقت اللامركزية؛ فلدينا اليوم إخوان الشمال وإخوان الجنوب وإخوان الوسط. تعليق صاحبنا على الموضوع كان مقتضبا يكشف عن أن حجم الذي لا يقال أكبر بكثير مما يتم تداوله حول الموضوع.

في الحديث الذي يتناوله الأردنيون في مجالسهم الخاصة حول الأسباب والظروف التي ساهمت في تصدع الحركة التي شكلت حليفا استراتيجيا للنظام على مدار خمسة عقود ومؤسسة تتولى تنشئة وصقل قيم وقدرات ومهارات الكثيرين من الرجال الذين انضموا إليها في بواكير حياتهم العملية والمهنية وانشقواعنها ليتحللوا من الشروط التي قيدت طموحاتهم الشخصية، بعد أن لاحت لهم فرص التقدم السياسي كشخصيات مستقلة؛ تخمينات كثيرة ومقترحات أكثر. فالبعض يرى أن جزءا من المسؤولية يقع على الجماعة وآخرون يرون أن اخواننا ليسوا كالإخوان الذي أقلقوا النظم الأخرى والأردن ليست مصر.

في تسعينيات القرن الماضي استخدم الإسلاميون "الإخوان" خطابا متدرجا لا يخلو من المناورة السياسية، وشجعهم على ذلك اكتشافهم لضحالة الفكر وبدائية التنظيم للعديد من الأحزاب التي ظهرت للعلن بالتزامن مع انتخابات المجلس الحادي عشر، فقد تبدى لهم ضعف الخطاب والتنظيم لغالبية الأحزاب الجديدة التي كانت نسخا عن أحزاب عربية وأممية ببرامج عمومية محدودة الصلة والتعاطى مع واقع وتحديات المجتمع الأردني. وزاد من زهو الجماعة ملاحظتها لمحاولة بعض السياسيين الأردنيين ممن شغلوا مواقع سياسية وأمنية واقتصادية تشكيل أحزاب بمسميات ذات صبغة محافظة وخطاب لا يختلف عن خطاب الدولة دون امتلاك رموزها للمواصفات اوالروح التي يحتاج لها العمل الحزبي.

الغرور الذي تملك الحركة والزهو بقدرتها على التنظيم والاستقطاب وتحريك الشارع جعلها منشغلة بذاتها وجماهيرها ودفعها لتبني سياسة الحرد السياسي والتركيز على استعراض مدى التأثير الذي تتمتع به في الشارع الأردني في محاولة لإدامة مناكفة ناعمة ذات امتداد إقليمي، فرفضت مرارا الدخول في الانتخابات البرلمانية واعتذرت عن الحوار الوطني وتعاملت مع الحراك بصفتها كيانا منفصلا عن الشارع غايته إظهار القوة والتأثير.

الانشقاقات التي ظهرت في السنوات الأخيرة تشير إلى عمق الأزمة الإخوانية ووجود اختراقات لصفوفها. واستقالة المئات من الأعضاء تعبير واضح عن أن الهياكل التنظيمية لم تعد ملائمة لاستيعاب عمليات التفكير والتنظيم والتعبير والتأثير. في ضوء هذه المعطيات فليس مستغربا اعتبار الهزات التي أصابت كيان الجماعة خلال السنوات الأخيرة مؤشرا على تدني قدرة قياداتها على قراءة المرحلة والاشتباك الإيجابي مع مفاصلها وشخوصها والخروج من الثنائية التي سيطرت على فكر وأسلوب عمل قياداتها خلال العقود الثلاثة الماضية.

فإذا كانت ولادة زمزم كحركة تصحيحية وظهور الجمعية المرخصة محاولة لإعادة التأطير، فإن الاستقالات الأخيرة ثورة بيضاء تعيد خلط الأوراق وتربك المنشقين والمحافظين والمراقبين إضافة إلى كونها إشارة إلى وجود قاعدة عريضة من الهيئة العامة ممن يحتجون على ما آلت إليه اوضاع التنظيم ويعبرون عن رغبتهم في تطوير العمل على غير طريقة إخوانهم في زمزم والجمعية المرخصة.