هيكلة الرواتب وإزالة الفوضى

العديد من فئات الموظفين تنتظر إعلان الحكومة عن عملية هيكلة الرواتب، والتي سبق الإعلان أنها ستكون جاهزة في الثالث والعشرين من هذا الشهر. والمفهوم المتداول أن الهيكلة تعني زيادة على الرواتب. وهذه الهيكلة يجري العمل بها منذ فترة طويلة، ولها تكلفة تزيد على سبعين مليون دينار، لكن جرى تأجيلها في عهد حكومة سابقة بعدما قررت الحكومة زيادة الرواتب عشرين دينارا، لصعوبة توفير التمويل من الخزينة للزيادة والهيكلة معا.

وفكرة الهيكلة كان يتحدث بها وزير القطاع العام مازن الساكت، يوم كان رئيس ديوان الخدمة، وكان هذا الحديث منذ سنوات. وكان الهدف منها في حينه إزالة التشوهات في سلم رواتب العاملين في القطاع العام، وأيضا إنقاذ هذه الرواتب من التآكل لأنها تتحرك إلى الأمام بشكل غير منظم، وبسرعة أقل من ارتفاع كلفة الحياة والتزاماتها. وكان الساكت يقول إن الزيادات التي تأتي من دون سلم منتظم شوهت الرواتب وألحقت بها خللا هيكليا.

ولعل مسيرة راتب الموظف جعلت الحكومات تعمد إلى وسائل عديدة لإنصاف فئات عبر أنظمة خاصة أو علاوات مهنة أو عقود غير خاضعة لنظام الخدمة، أو عبر المؤسسات المستقلة ورواتبها  الكبيرة. ولهذا أصبح موظفو الخدمة المدنية هم الفئة الأقل حظا، ونشأ التشوه في الرواتب، وفتح هذا بابا للفساد والمحسوبية، ودفع البعض للالتفاف على نظام الخدمة من خلال الاستقالة ثم العودة بعقد. وهذا كله محصلة عشرات السنين في مسيرة راتب موظف الحكومة.

أكثر ما يتوقف عنده الموظف من الخاضعين لنظام الخدمة هو تقاعده بعد خدمة طويلة، لأنه يكون غير كاف لمتطلبات الحياة. ولهذا، فإن البعض يحب الاستمرار في الخدمة أطول مدة ممكنة لأنه في مرحلة التقاعد يكون لديه أبناء في الجامعة، ولا يمكنه احتمال خسارة نسبة كبيرة من راتبه لخروجه على التقاعد.

الهيكلة هي الحل لمشكلة التشوهات من جهة، وهي الطريق لإنقاذ راتب وظيفة القطاع العام وتحديدا التابعين لنظام الخدمة المدنية، وهي السلاح النظيف لدى الحكومة للخروج من عمليات الالتفاف التي تمت عبر العقود والأنظمة الخاصة ورواتب المؤسسات المستقلة. وهذا الأمر يحتاج إلى تمويل ربما لا يكون متوفرا في هذه المرحلة، لكن وجود هيكلة تتصف بالعدالة يكفي لأن يضعنا على أول الطريق السليمة لحل المشكلات التي تعاني منها رواتب موظفي القطاع العام، سواء من حيث الضعف أو المبالغة.

اليوم هنالك مطالب من قطاعات مختلفة، مثل الأطباء والممرضين وأطباء الأسنان وغيرهم، للحصول على أنظمة خاصة تنصفهم معيشيا، وهي مطالب مشروعة، لكن الإطار الأوسع هو واقع راتب القطاع العام لأننا سنصل بعد حين إلى أن كثيرا من المهن لها أنظمة خاصة، وعلاوات مهن، وعقود خاصة وغيرها من الصيغ التي يصبح معها راتب نظام الخدمة المدنية للغلابى ومن ليس لهم طرق للوصول إلى صيغ تنصفهم، ويصبح راتب الخدمة مثل الجزيرة في ظل جزر الأنظمة الخاصة.

ننتظر هيكلة تكون مدخلا لإصلاح إداري هو في أهميته يوازي أنواع الإصلاح الأخرى، لكنه يتميز بأنه يمس حياة الناس ومعيشتهم ومستوى حياتهم.