الراغب :يجب محاكمة من زور الانتخابات واتحمل مسؤولية تفويض الاراضي ولم اختبيء خلف الملك

 

أخبار البلد - لايساور المهندس علي ابو الراغب رئيس الوزراء الاسبق الشك بان الحراك الذي يعيشه الشارع العربي سيؤدي إلى تغيير كبير في النظام العربي عموماً،وان هذا التغيير سيكون دموياً في الكثير من الأحيان ولكنه في الوقت نفسه يؤكداننا في الاردن" قادرون على عبور هذه المرحلة كما عبرنا أحداثا جسيمة وقعت في الماضي".

 

ابو الراغب الذي كان يتحدث في محاضرة حول" تجربته في الحكم" في اطار ندوة نظمتها المدارس العصرية مساء امس الاربعاء يرى ان الحديث عن الإصلاح والتغيير في الأردن يمكن أن يتحقق عن طريق إعادة الهيبة لسلطات الدولة الثلاث بالإرادة السياسة وتعديل التشريعات بما في ذلك تعديل بعض مواد الدستور بشكل يحقق توازن السلطات ويمنع تغول أي منها على الأخرى ولكن مع التركيز على ضمان تولي الحكومة ولايتها العامة وفقاً للدستور.

 

ويعلن ابو الراغب بكل وضوح رفضه المطلق للطروحات التي تتدواله بعض الاوساط السياسية عن الملكية الدستورية التي يقصد منها الحد من صلاحيات جلالة الملك "هذا الطرح أعتبره طرحاً مشبوهاً شكلاً وموضوعاً بالإضافة إلى أنه مدعاة إلى زعزعة الوحدة الوطنية وقد يسبب أزمات جديدة ستعصف بالوطن إلى المجهول".

 

وقال ابو الراغب في محاضرته ان "ان ما يصدر عن العامة في مساهماتها عبر أجهزة الإعلام المختلفة حيث يطفو الكلام المجاني والإتهامية على السطح هو نهج شجعته وروجت له جهات غير مسؤولة استخدمت بعض وسائل الإعلام الحديثة لإغتيال الشخصيات العامة ومسؤولين عاملين أو سابقين".

 

واشار أبو الراغب أن هناك ركود في كثير من القطاعات وهناك مشاكل إقتصادية وسساسية وإجتماعية تتكامل فيما بينها مثل البطالة والفقر والتراجع في الوضع الإستثماري والإنتاجي نتيجة تراجع الوضع السياسي في المنطقة لكن هناك في الاردن ميزة نسبية في عدة مجالات وهذه المجالات التي يجب العمل على تنميتها والفرصة متاحة بشكل إيجابي لقطاعات إقتصادية من أجل تحريك الوضع الإقتصادي.

 

وأضاف أبو الراغب يجب اعانة بعض القطاعات فوراً ألتي تعاني من مشاكل ويجب إعادة الثقة في الإقتصاد الوطني من خلال قيام الحكومة بعدة إجراءات وقرارات سريعة وأن تعمل على البحث عن حوافز لكل ما من شأنة زيادة الإنتاج الوطني وتنمية القيمة المضافة مثل الخدمات الصحية والصادرات الاردنية وفتح الأسواق في العراق وتحسين البيئة الإستثمارية للعرب والأجانب وخاصة العراقين ذلك لأن ظرفاً سياسياً تسبب بالتضيق عليهم وتركهم.

 

وقال أبو الراغب أن فترة حكومتة لم يسجل عليها أي قضية فساد الا في قضية إفترائية واحدة هي قضية قضية الدكتور عبد الرزاق الطبيشات التي خرج منها بصك برأئته من قبل القضاء الاردني النزيه.

 

وفي رده حول المصروفات السرية لرئيس الوزراء أوضح ابو الراغب أن طبيعة عمل رئيس الوزراء تتطلب وجود مرونة بما يتعلق بالمصروفات الخاصة بذلك المنصب وهذه المرونة متوافقة مع الأنظمة والتعليمات المحاسبية وفي غالب الاحيان ما يتم انفاق مثل هذه المصروفات على القضايا الصحية وتعليم الطلبة في الجامعات وأريد أن اقول لكم أنه خلال فترة تسلمي الرئاسة خدمت الكثير من أبناء الوطن غير القادرين وهي مصاريف محدودة ولكن هناك مبالغات يتم تداولها حول تلك المصروفات.

 

وقال أبو الراغب أن هناك بعض الوزراء كانوا يسافرون الى بعض البلدان بمياومات لاتزيد عن 270دينار لليوم الواحد علما بان اجرة الفندق الذي يسكنون فيه تصل الى 500 دلاورالامر الذي يضطر رئيس الوزراء الى الاستعانة بحسابه من اجل تعويض الفروقات صونا لكرامة الوزراء وقال ان هذه المصروفات يستعملونها معظم رؤساء الحكومات لتسهيل عمل الحكومة وليس لتجنيد عملاء سريين فهناك جهات تقوم بهذا العمل على خير وجه وهو ليس في صلب اهتمام رئيس الحكومة.

 

وحول الإنتخابات النيابية وما شابها من شبهات قال ابو الراغب ان الانتخابات النيابية للمجلس الخامس عشر شهدت تجاوزات وفق ما اعلنه رئيس الحكومة الحالي معروف البخيت مما يعني أن هنالك احد اقترف هذا التجاوز وهو الامر الذي يستوجب تقديم هذا الشخص الى القضاء ورئيس الوزراء الحالي يعرف اكثر مني عن المقصود بذلك.

 

اما بالنسبة للمجلس السادس عشر فأشار الى أن هنالك بعض النواب أكدوا حدوث بعض التجاوزات "غير أنني أعتقد بأن المشكلة الاساسية تكمن في إعتماد نظام الدائرة الوهمية الذي أدى الى إضعاف نتائج الإنتخابات بسب عدم عدالة النتائج ذلك أنه من غير المقبول أن يفوز مرشح دائرة وهمية ما بعدد أصوات أقل من شخص أخر في نفس الدائرة".

 

وانتقد ابو الراغب لجوء البعض الى كيل الإتهامات وأغتيال الشخصية وقال أنني اتحدى اي شخص ان يثبت واحدة من قضايا الفساد التي تم اثارتها نحو حكومتي وان يعمل على تقديمي الى هيئة مكافحة الفساد وغير ذلك فإن على المجتمع ان يحاسب من اتهم زورا وبهتانا واحالته الى المحكمة وهذا ما سنفعله في الايام القليلة القادمة وخصوصا أن المادة الرابعة من قانون الهيئة توجب محاسبة من يغتال اي شخصية وملاحقته.

 

وحول اللبس الذي اثارته تصريحات ابو الراغب لفضائية رؤيا بخصوص تفويض أراضي لجلالة الملك قال أبو الراغب : ( جائنا كتاب من الديوان الملكي العامر وأحضره أمين عام الديوان الملكي في ذلك الوقت السيد سمير الرفاعي طلب فبه من رئيس الوزراء تفويض اراضي لجلالة الملك لغايات تنموية وإجتماعية خيرية يقوم بها جلالة الملك خدمة للمجتمع والوطن وخصوصا لصندوق الملك عبدالله وقد تم تحويل ذلك الكتاب الى لجنة املاك الدولة المعنية بهذا الموضوع"

 

وأضاف ان لجنة املاك الدولة درست الموضوع وكشفت على تلك الارض وعاينتها لجهةعدم تخصيص هذه الاراضي لأي مشروع ورفعت تنسيبها الى مجلس الوزراء ومجلس الوزراء هو صاحب الولاية ويتحمل المسؤلية كاملة وله السلطة الدستورية وإتخذ قراره بذلك.

 

وقال ابو الراغب اني مسؤول عن هذا القرار ولن أختبئ خلف جلالة الملك ونحن نعرف ان اوامر الملك الخطيةو الشفوية لا تعفينا من مسؤولياتنا ونحن في مجلس الوزراء تحملنا مسؤولياتنا وانا أتحمل المسؤلة كاملة عن هذا الموضوع.

 

واسترسل ابو الراغب بالقول نحن لم نفوض هذه الاراضي لجلالة الملك من تحت الطاولة فهذا هو ملك المملكة الاردنية الهاشمية وهو مكون رئيسي واساسي في مملكتنا الاردنية الهاشمية ، ذلك ان كلنا نقف خلف جلالة الملك في مشاريعه التنموية التي نعرفها جميعاً سواء في سكن كريم لعيش كريم وبيوت الأيتام، قطع أراضي للنقابات والنوادي وبناء منشآت وطنية وهذا كله جزء من الجهد الوطني لخدمة المجتمع

 

وقال ان المجتمع الاردني مجتمع له خصوصية ولسنا سويسرا او استراليا وما تم انجازه بفضل الهاشميين يجعلنا مثار حسد بين جميع من حولنا وهو امر نلمسه بحلنا وترحالنا.

 

واتهم أبو الراغب بعض الشخصيات التي تقف وراء الحملة المنظمة التي تستهدفه شخصياً وإن هذه الشخصية عملت في موقع أهلها لحبك المؤامرات والنيل من الرموز الوطنية وقال أنه ليس من المعقول أن كل أبناء الوطن فاسدين ولا كل مسؤل فاسد ويتحولوا الى موقع إتهام.

 

واسترسل ابو الراغب "إننا نرى اليوم نتائج تلك الإجتهادات الخاطئة وقصيرة النظر ، حيث أصبح إغتيال الشخصية نهجاً عاماً ، والإتهام دون دليل قاسماً مشتركاً لدى العامة".

 

رئيس الوزراء الاسبق توقف في محاضرته عند العديد من المحطات السياسية لتجربته كرئيس للوزراء لمدة شارفت على الاربع سنوات ارتبط اسمه خلالها بالعديد من الملفات الحساسة في ظروف استثنائية عاشها الاردن بسبب حرب الخليج الثانية وتفجر الانتفاضة الفلسطينية واحداث 11 ايلول التي رسمت خارطة جديدة للعلاقات الدولية مما اضفى زخما كبيرا على تلك التجربة التي ماتزال اثارها حاضرة في المشهد السياسي المحلي.

 

وقال المحاضر "أعلن أمامكم إستعدادي لتمويل دراسة محايدة عن جدوى تلك القوانين المؤقتة التي اصدرتها حكومتي وضرورتها الوطنية والتحقق فيما إذا كان لي أي مصلحة شخصية من وراء إصدارها".

 

وتطرق ابو الراغب كذلك في محاضرته الى عدد من القضايا التي عرضته للاستهداف والنيل من تجربته السياسية من خلال كشف تفاصيلها بالوثائق التي تبريء ساحته من التهم التي يتم الصاقها بتجربة حكومته.

 

وتوقف ابو الراغب عند عدد من المحطات خلال فترة ترؤسه للحكومة وقال فيها"شهد عام 1989 أول انتخابات نيابية بعد 22 عاماً من توقفها، حيث دخل الأردن مرحلة جديدة عنوانها الديمقراطية ونهاية عهد الأحكام العرفية وحظر الأحزاب السياسية. في ذلك العام انخرطت في العمل السياسي عضواً في التجمع الديمقراطي الذي ضم العديد من الشخصيات الوطنية، وكنت قبلها قد رشحت نفسي للانتخابات النيابية عن الدائرة الثالثة في عمان ولم يحالفني الحظ في النجاح".

 

وتابع "عام 1991 عينت وزيراً للصناعة والتجارة ووزيراً للتموين لأول مرة في حكومة دولة السيد طاهر المصري ثم وزيراً للطاقة والثروة المعدنية في حكومة سيادة الشريف زيد ين شاكر رحمه الله التي خلفت حكومة المصري في العام ذاته وحتى عام 1993".

 

و اضاف "وعدت وزيراً للصناعة والتجارة مع حكومة سيادة الشريف زيد بن شاكررحمه الله عام 1995 وبقيت أحمل الحقيبة ذاتها في حكومة دولة السيد عبدالكريم الكباريتي عام 1996 وحتى عام 1997".

 

أما على صعيد العمل النيابي قال " انتخبت عام 1993 عضواً في مجلس النواب الثاني عشر عن الدائرة الثالثة في عمان ثم عام 1997 في مجلس النواب الثالث عشر عن الدائرة ذاتها وكنت رئيساً للجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب ثم أصبحت عضواً في مجلس الأعيان بعد استقالة حكومتي في عام 2003 ولغاية نهاية عام 2010".

 

أما عن الفترة التي كان فيها رئيساً للوزراء أشار " فلقد رأست الحكومة في 19/6/2000 ولغاية 22/10/2003 شكلت خلالها ثلاث حكومات استمرت الأولى حتى 14/1/2002 والثانية حتى 20/7/2003 أي لمدة أربعين شهراً تقريباً وهي أطول مدة يقضيها رئيس وزراء منذ أكثر من عقدين من الزمان ، وقد حصلت حكومتي على الثقة مرتين من مجلسي النواب الثالث عشر بأغلبية 74 صوتاً من 80 والرابع عشر 84 صوتاً من 109 وباشرت حكومتي مهامها وسط ظروف اعتيادية خالية من أزمات حادة ... أقول ذلك لأن الأردن بلد محدود الموارد لم يعرف الثراء يوماً ولكنه عرف العوز والفاقة. كذلك فأنه بلد يعيش في بحر متلاطم من الأحداث والتطورات في منطقة لم تعرف الهدوء منذ قرار تقسيم فلسطين ناهيك عن عهود الانقلابات والمؤامرات والنيران الصديقة من حولنا".

 

وتابع ... باشرنا العمل في ظروف خالية من الأزمات وأعني بذلك ما يلي على وجه التحديد:

- تعاطف عربي ودولي مع الأردن بعد غياب الحسين رحمه الله وصعود نجم الملك الشاب عبدالله الثاني حفظه الله...

 

- أوضاع اقتصادية مستقرة نسبياً ، صحيح أنها لم تحقق نمواً ولكننا لم نكن أمام أزمات أو تحديات كبيرة ، بل أنه كان علينا الإنطلاق نحو جذب الاستثمار ورفع وتيرة الإنتاج وتحريك عجلة التنمية.

- وضع دولي إيجابي نسبياً ولا سيما من خلال جهود الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ومحاولاته تحقيق الحل السلمي وإقامة الدولة الفلسطينية.

- هدوء حذر على صعيد الملف العراقي يوحي بأن الإستراتيجية الأمريكية في حينه كانت تعتمد " أسلوب الإحتواء".

- علاقات عربية معقولة بالرغم من الضرر الكبير الذي أصابها على مدى العقد السابق (( عقد التسعينات )).

 

و أستسرل ... قد عبر كتاب التكليف السامي لحكومتي الأولى عن تلك الظروف ، ومما جاء فيه : "إقتباس"

"لقد شعرت خلال جولاتي المتعددة لحث العالم على الوقوف إلى جانبنا من أجل تحسين المستوى المعيشي للمواطن ولا سيما زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة والنتائج الطيبة التي تحققت أن العالم يؤمن بصواب مسيراتنا الإقتصادية ويعلن عن استعداده للوقوف إلى جانبنا ومساعدتنا وهو يرى عزمنا على النهوض ببلدنا"

 

باختصار فقد باشرت حكومتي عملها وهي تدرك حجم المسؤوليات الضخمة التي تنتظرها ولكننا كنا مصرين على قبول التحدي آملين بأن تمنحنا الظروف فسحة من الوقت كي نرى أسرع النتائج الإيجابية على الأرض.

 

لذلك، ففي البيان الوزاري للحكومة أمام مجلس النواب قلنا ما يلي : " أن رياح التغيير التي تهب على مجتمعاتنا لتنقلها إلى القرن الجديد بما يتطلبه من استيعاب لنتاجه الفكري والتكنولوجي ومتابعة المستجدات على مختلف الصعد يستوجب منا جميعاً أن نملك إرادة التغيير وأدواته ونركب موجة التجديد والتطوير دون خوف أو ريبة في قدراتنا أو تراجع ونكوص عن قبول التحدي فلا مجال في هذا العصر للمترددين أو المشككين ولا قوة لنا واستمرار زخم مسيرتنا إلا بوحدة صفوفنا وأهدافنا خلف قائدنا رائد التجديد. فمن عزمه وطموحاته نستمد الهمة والإصرار لتحقيق وطن المجد والعزة والقوة".

 

غير أن الرياح لا تأتي دوماً كما تشتهي السفن. فبعد أربعة أشهر فقط اندلعت الإنتفاضة الفلسطينية الثانية فدخلت المنطقة في مرحلة صعبة جديدة وكنا في مقدمة المتأثرين بتلك الظروف ، ليس على صعيد المظاهرات والمسيرات التي غصت بها شوارع عمان والمدن الكبرى فحسب بل وللتأثيرات السلبية المتوقعة سياسياً وإقتصادياً وعلى عملية السلام برمتها.

 

وإضافة إلى كل ذلك فقد كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يعتزم ختام ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة بإنجاز تاريخي وحاول الوصول إلى ذلك الهدف في كامب ديفيد وبعدها من خلال مبادرته لطرح منظومة للحل الشامل والتي - للأسف – فشلت بعد فوز شارون في الإنتخابات الإسرائيلية والتردد الفلسطيني في القبول الصريح لتلك المبادرة ، مع أننا كنا نؤمن أن الفرصة مواتية ولكن كما قلت فلم تجر الرياح كما تشتهي السفن.

 

بالرغم من كل ذلك فقد باشرنا عملنا بهمة ووفق خطط مدروسة تحت شعار "أهل العزم" ثم " الأردن أولاً " وشرعنا بالفعل في تنفيذ برنامج عمل وطني سياسياً وإدارياً واقتصادياً واجتماعياً ، فمن عمان إلى العقبة إلى كافة أنحاء المملكة كانت وتيرة العمل مستمرة وكنا نحاول تحقيق الرغبة الملكية في أن يشعر المواطن الأردني بنتائج ملموسة للتنمية والإنجاز.

 

كانت الطموحات تفوق بكثير معطيات الواقع على الصعيد المحلي . فللحاق بالركب العالمي والتطورات المتسارعة في حقول الإتصالات والتواصل الإنساني وشروط العولمة مع الحفاظ على القيم والثوابت . كان لا بد من توفير البنى التحتية إدارياً وتشريعياً واقتصادياً وهذه تتطلب جهوداً حثيثة لا بد من التصدي لها ، كي نكون قادرين على التطور والتنمية وجذب الإستثمار.

 

ولكن ، ظلت الإنتكاسات السياسية تفاجئنا باستمرار في تلك الفترة.. ففي الحادي عشر من سبتمبر 2011 وصلت القاعدة إلى ما وراء البحار ونفذت هجماتها بقسوة في قلب الولايات المتحدة ، في رمز القوة الأمريكية عسكرياً ( البنتاغون) وفي رمز قوتها الإقتصادية ( نيويورك) .

 

في الثاني عشر من سبتمبر، أي في اليوم التالي للهجمات ظهرت الإشارات الأولى للموقف الأمريكي. ففي الوقت الذي أشارت فيه الإدارة الأمريكية – رسمياً – بالاتهام إلى تنظيم القاعدة، ظهرت إشارات من بعض أركان الإدارة بمحاولة الربط بين الإرهاب والعراق.

 

بعد فترة بسيطة من الزمن بعد هجمات سبتمبر سافرت بمعية جلالة الملك إلى واشنطن. التقى جلالته الرئيس بوش وأركان الإدارة الأمريكية وكما تعلمون فان الجزء الأكبر من جدول الزيارات الملكية لواشنطن كانت تتركز حول القضية الفلسطينية على الدوام والموضوع الذي يليه كان العراق وبعد ذلك المتطلبات الأردنية.

كنا نخشى أن يتم التحرك باتجاه العراق ، لكن خشيتنا الكبرى كانت على القضية الفلسطينية ... وذلك ما حدث بالفعل.

عدنا إلى عمان بانطباع مؤكد نقلناه إلى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بضرورة الحذر من الموقف الأمريكي بعد أحداث سبتمبر لأن أي هجوم يسقط فيه مدني ولاسيما من الجانب الإسرائيلي سيوضع في خانة الإرهاب.

 

لا استطيع أن أجزم اليوم إن كان عرفات أخذ بنصيحتنا لكنني أعتقد أن ما جرى لاحقاً وحتى حصاره ووفاته كان بسبب ذلك الموقف.

 

أيها الأخوة والأخوات ...

هناك بعض المحطات التي أود أن أتوقف عندها في تلك المرحلة :-

- الإنتخابات النيابية:-

بتاريخ 16/6/2001 صدرت الإرادة الملكية السامية بحل مجلس النواب الثالث عشر المنتخب عام 1997 أي بعد إنقضاء عمر المجلس تقريباً ، وهو أربع سنوات شمسية.

 

ولغايات تطوير وتحديث العمل النيابي كان توجه الدولة لإصدار قانون جديد للإنتخابات وعليه فقد صدرت الإرادة الملكية السامية في 24/7/2001 وبموجب المادة 73 الفقرة 4 بتأجيل الإنتخابات للتمهيد لإجراء أول انتخابات نيابية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني وفقاً لقانون انتخابي جديد.

 

شرعت الحكومة بإعداد القانون الجديد الذي كان من أبرز ملامحه زيادة المقاعد النيابية وتوزيعها حسب التقسيمات الإدارية الجديدة وإنعكاسها على الدوائر الإنتخابية لزيادة التمثيل الشعبي لمعظم فئات المجتمع في البرلمان بالإضافة الى الإجراءات القانونية بتسهيل أسلوب الإنتخاب والعمل بجدية على الحد من احتمالات التلاعب بالنتائج بما في ذلك فرز الأصوات في مراكز الإقتراع ومنع نقل الصناديق خارج تلك المراكز ، وبقي الصوت الواحد الإسلوب المعتمد في القانون حيث موضوع التصويت للقائمة النسبية لم يتم الإخذ به عند بحثه بسبب عدم وجود أحزاب سياسية تمثل شرائح واسعة من المجتمع اضافة الى عدم قدرتها على توسيع قواعدها في جميع أنحاء المملكة.

 

بصدور القانون الجديد كان لا بد من إعداد جداول جديدة للناخبين ، تلك العملية التي تتطلب وقتاً يتجاوز خمسة أشهر على وجه التقريب ما يعني أن إجراء الإنتخابات صار محتملاً في صيف العام التالي 2002.

 

غير أن أحداث 11 سبتمبر 2001 التي غيرت وجه العالم كما ذكرت سابقاً ، ثم الإجتياح الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في آذار 2002 وردود الفعل الغاضبة التي اجتاحت العاصمة عمان والمدن الأردنية وتواصلت لعدة أشهر أثرت في قرار الإنتخابات فتعذر إجراؤها في ذلك الصيف.

 

ومع تصاعد نذر الحرب على العراق بدءاً من خريف 2002 والتي وقعت بالفعل في آذار 2003 جعلتنا نؤجل الإنتخابات إلى حزيران من ذلك العام حيث أجريناها بكل نزاهة بعد إنتهاء الحرب إذ صدرت الإرادة الملكية السامية بإجراء الإنتخابات في 17/6/2006.

 

- الوضع العراقي :-

في خريف عام 2002 وتحديداً في شهر أيلول عاد جلالة الملك من زيارة لواشنطن بقناعة بان الحرب على العراق أصبحت وشيكة وكان مرد تلك القناعة الخلاف بين جلالته والرئيس بوش في هذا الشأن ومحاولات جلالته الدائمة لتجنيب العراق مخاطر الحرب والدمار.

 

للتذكير فقد كنت أول رئيس وزراء عربي وربما أرفع مسؤول عربي يزور العراق في نهاية عام 2000 وذلك كرسالة لمحاولة كسر الحصار الدولي المفروض عليه منذ عام 1990 وقابلت الرئيس الراحل صدام حسين ورافقني في تلك الزيارة وفد كبير من الوزراء والمسؤولين والإعلاميين والاقتصاديين وكانت زيارة ناجحة بكل المعاني واستطعنا في تلك الزيارة ازالة كثير من الإشكالات والشوائب في العلاقات بين الدولتين الشقيقتين بالإضافة إلى حصولنا أسعار متميزة للنفط المقدم للأردن .

 

بالعودة إلى أولويات تلك المرحلة نقرأ في كتاب التكليف السامي لحكومتي الثانية " وإذا كان لنا إن نشعر بالارتياح لما تحقق من انجازات للوطن خلال المرحلة السابقة إلا أن المسيرة طويلة وما زالت التحديات التي تفرضها التطورات الإقليمية والعالمية تلقى بظلالها علينا".

 

أما في كتاب التكيف السامي لحكومتي الثالثة فيقول جلالة الملك : " لقد وضعت حكومتك طوال السنوات الثلاث الماضية العديد من البرامج والخطط لتحقيق التنمية الشاملة التي تنعكس آثارها على المواطن بشكل مباشر وملحوظ وقد حققت الكثير من الإنجازات والحمد لله والمطلوب الآن هو مواصلة العمل لتنفيذ هذه الخطط والبرامج وتسريع وتيرة التنفيذ والإنجاز".

 

اذاً ، فالحديث عن تجربتي كرئيس للوزراء طوال تلك الفترة يحتاج وقتاً طويلاً لتعداد الخطط والبرامج والمشاريع والإنجازات التي تحققت طوال تلك الفترة ، إضافة إلى العلاقات العربية التي وصلت إلى أفضل وأعلى مستوياتها وكذلك العلاقات الدولية ومكانة الأردن المتميزة على المستوى العالمي.

 

ولإلقاء بعض الضوء على تلك الفترة ... أقول ....منذ بداية عمل الحكومة قطعنا شوطاً لا بأس به ، فارتفعت نسبة النمو وتحسن الأداء الكلي للاقتصاد الوطني وتم تخصيص مبالغ إضافية لصندوق المعونة الوطنية للعناية بالفقراء وتم إنجاز برنامج العمل الوطني للتدريب ووضع استراتيجية عملية وجادة لإصلاح أوضاع البلديات ، كما بدأنا بتنفيذ برنامج التحول الإقتصادي والإجتماعي لغايات تنمية المحافظات وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين مع التأكيد هنا على حرص الحكومة على ضبط الإنفاق حسب الأصول وبقواعد مالية صحيحة.... بالإضافة إلى دعم الجهود في إنجاح الخطط والبرامج في " منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة"

 

كما وأنه وفي تلك الأثناء كانت هنالك قطاعات رئيسية في الدولة تحتاج إلى الدعم والتطوير. كان "القضاء" في مقدمة تلك القطاعات كسلطة مستقلة من واجب السلطة التنفيذية مساندتها ودعم استقلالها وتأمين احتياجاتها.

 

بادرت حكومتي إلى اتخاذ إجراءات وقرارات أساسية لدعم الجهاز القضائي ليكون داعماً للتنمية الشاملة في المملكة ، راعت بالدرجة الأساسية دعم استقلال القضاء وتسهيل إجراءات التقاضي ، فتبنت حكومتي إجراءات إصدار مشاريع القوانين المقترحة من "اللجنة الملكية لتطوير القضاء" وإقرارها فأصدرت 30 قانوناً (13 دائم و17 مؤقت) ووفرت الإمكانات المالية للمجلس القضائي في زيادة عدد القضاة في مختلف الدرجات حيث تم مضاعفة عددهم تقريباً ورفعنا رواتبهم وتم إسنادهم بالكوادر البشرية والخدمات التكنولوجية الحديثة وإنشاء قصور العدل في مدن مراكز المحافظات ورفعنا مخصصات وزارة العدل من 10-18 مليون ديناربالإضافى الى تقديم حوافز مجدية للقضاة.

 

وبموازاة ذلك فقد ركزت الحكومة على تطوير الرسالة التربوية التعليمية بالتركيز على تحديث وتطوير المناهج واستيعاب ثورة المعلومات وتشجيع مهارات البحث والتحليل لدى الناشئة عبر وسائل الإتصال الحديثة.

 

واسمحوا لي أن أُذكر ببعض الإنجازات الإيجابية في تلك الفترة ، على سبيل المثال وصل النمو الإقتصادي عام 2002 الى رقم قياسي حيث بلغ 5% من الناتح المحلي الإجمالي وحافظنا على عجز الموازنة بحدود 3% وزادت الصادرات بنسبة تزيد على 20% وارتفعت أرقام التداول في سوق عمان المالي من 300 مليون دينار الى مليار دينار تقريباً . ولكم أن تقارنوا هذه الأرقام بما سبقها وما تلاها لتحكموا بأنفسكم عما فعلناه في ذلك الوقت وعما آلت إليه الأمور اليوم.

 

في المقابل كنا قد رفعنا الإنفاق على قطاعات تستحق الدعم والتطوير . ففي مجال الإدارة المحلية فقد زاد الإنفاق الحكومي في دعم البلديات من 65 ملينون دينار الى مئة مليون دينار سنوياً . وللعناية بالفقراء فقد زاد الإنفاق على صندوق المعونة الوطنية من 27 مليون الى 57 مليون دينار سنوياً . وفي مجال التدريب المهني زاد الإنفاق من 9 مليون الى 32 مليون دينار كما أدخلنا مفهوم التدريب الوطني لتعليم الشباب بعض المهن ومنحهم راتباً شهرياً أثناء فترة التدريب ، وأما المديونية العامة على الدولة فكانت بحدود ستة مليارات دينار أي في حدود الأمان بالإضافة الى أن خدمة المديونية لم تكن تشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة للدولة..

 

وهنا أشير الى شهادة محايدة صادرة عن إحدى الهيئات الدولية المعروفة في الأداء العام للدولة الأردنية يشمل تلك الفترة الزمنية.

 

فالتقرير الذي أصدرته منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية التابعة للأمم المتحدة عن الأعوام 2000 – 2005

Progress in Public management in the (MENA) Middle East and North Africa: Policy Reform تضمن تجارب ناجحة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تلك الفترة وأعتبر التقرير التجربة الأردنية إحدى التجارب الناجحة ونشر التقرير لتستفيد منه الدول الأخرى في المنطقة ولاسيما في المجالات التالية:-

- تعزيز قدرات القطاع العام

- وجودة ونوعية التشريعات وتطوير القضاء

- وإدخال خدمة الحكومة الإلكترونية وإقتصاد المعرفة

- وتعزيز مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص

- وكفاءة إدارة المال العام والنفقات العامة.

كما وأنه تم في عام 2002 عقد مؤتمر في الأردن برعاية وتمويل البنك الدولي وكان موضوعه " الأردن كقصة نجاح في إصلاح القطاع العام " حضره عدد كبير من ممثلي الدول والمنظمات الدولية.

 

بطبيعة الحال لا يمكن لأي شخص أن يدعي الكمال ، ولا يرغب أي شخص بالتركيز على الإخفاقات والسلبيات ، لكن أي منصف عاش تلك المرحلة يستطيع أن يجد المزيد من الإيجابيات أما اليوم وقد ساد اللغو وزبد الكلام فلم يعد يرى من يعتدون على الإعلام اليوم سوى السلبي ليس إزاء تجربتي ولكن على مستوى الوطن ومسيرته التي هي عنوان للنجاح على مر العقود نظراً للإمكانات المتواضعة والظروف الصعبة التي عاشها هذا الوطن العزيز.

على أي حال فإنني سأتحدث عن بعض المسائل التي جرى تناولها لاحقاً عن إجراءاتنا في تلك المرحلة

 

المسألة الأولى هي رفع أقساط التأمين الإلزامي على السيارات إلى 55 ديناراً سنوياً عام 2002 وأود أن أوضح الأمر على النحو الآتي:

 

في ذلك الوقت كان عدد شركات التأمين 26 شركة وكانت هذه الشركات تشكو من تدني سعر التأمين الإلزامي وعلى أثر دراسة هذا الموضوع من قبل هيئة رقابة التأمين وجدت الهيئة أن بقاء أقساط التأمين الإلزامي للمركبات بالسعر السائد في ذلك الوقت سيهدد هذا القطاع وربما تواجه الكثير من الشركات خطر الإفلاس. وعلى أثر ذلك تقدم وزير الصناعة والتجارة الذي يرأس مجلس إدارة الهيئة في 10/7/2001 بكتاب يطالب فيه رفع الإقساط إلى مئة ديناراً ولم تتم الموافقة على ذلك الطلب لكن وفي 10/2/2002 عاد الوزير ليطلب رفع القسط الى 75 ديناراً. وبعد أن عرض الأمر على مجلس الوزراء بتاريخ 4/3/2002 قرر المجلس تحديد القسط بمبلغ 55 ديناراً.

 

كدليل على أن ذلك القرار لم يكن كافياً أيضاً فقد كانت خسائر شركات التأمين في فرع التأمين الإلزامي للمركبات في العام الأول لتطبيق السعر الجديد خمسة ملايين دينار أما مجموع خسائرها من ذلك العام وحتى نهاية العام 2010 فبلغ نحو مائة وعشرين مليون دينار.

 

ولمواجهة خسائر هذا القطاع من التأمين الإلزامي ومطالب الشركات المتكررة فقد رفعت الحكومة السابقة أقساط التأمين الإلزامي العام الماضي إلى 85 ديناراً. ومعلوم للجميع أن القرار لم يصل إلى السعر العادل لتكاليف التأمين الإلزامي فإننا لم نسمع احتجاجاً أو إتهاماً من أحد عليه.

 

أما عن علاقتي شخصياً بهذا القطاع وادعاء البعض أنني مستفيد منه وإتهامي بأنني أملك عدداً من شركات التأمين في ذلك الوقت فذلك غير صحيح والحقيقة أنني كنت مساهماً بنسبة 10% تقريباَ في شركة اليرموك للتأمين في حينه وبالإمكان التحقق من ذلك من هيئة الأوراق المالية عن ملكية الشركات ومساهماتها . وأترك لكم استنتاج حجم مصلحتي الشخصية في ذلك القرار.

 

وأقول لمن يرغب في المزيد من الشرح حول هذا الموضوع أن يراجع هيئة الرقابة على التأمين فلديها كل الوثائق والتفاصيل.

 

- محاربة الفساد:-

تعاملت إثناء رئاستي للحكومة مع واحدة من أكبر قضايا الفساد التي كادت أن تؤدي ، لو لم نبادر إلى معالجتها بكل حزم ويقظة ، إلى نتائج خطيرة على المستوى الوطني وفي مقدمة تلك النتائج تعريض ثلاثة بنوك وطنية لمخاطر شديدة من بينها الإفلاس أو التصفية وأهم من ذلك اهتزاز الثقة بالجهاز المصرفي الأردني وربما أكثر من ذلك تعريض الإقت