ثروة وذهول

العربُ اهل الوفرة، واهل الثروات الهائلة ذات الارقام الفلكية، ممتحنون اليوم في دينهم، ماثلون منه امام ميزانٍ غير ذي تخسير، وامام امتحانٍ يُكرَم المرء فيه او يهان.

سُئل «سفيان الثوري» عن «التقوى» التي لا فضل لعربي على عجمي، ولا لابيض على احمر ولا اسود إلا بها فأنشد:
إني وجدت فلا تظنوا غيره
هذا التورع عند ذاك الدرهم
فإذا قدرت عليه ثم تركته
فاعلم بان هناك تقوى المسلم


ونحن لو استقرأنا آيات القرآن الكريم واحاديث المصطفى عليه صلوات الله وسلامه المتعلقة بالمال والثروة والتملك لوجدنا أن الايمان مقرون بالانفاق في سُبُل الخير، وان من دلائله ان «تنفقوا مما تحبون» على من (وما) تقتضي الرحمة الانفاق عليه: مسلماً او غير مسلم، انسانا او حيوانا او طيرا، وكم من امثلةٍ على تمثل المسلمين لهذا الهدى الكريم.


وإذا كان العالم اليوم قد اصبح «قرية صغيرة» لِما تطور فيه من وسائل الاتصال على اختلاف انواعها، فهو – بسبب من ذلك – جيرة واحدة متصلة الاسباب، مستحقة اداء الحقوق، ولا يصح «إيمان» احدٍ فيها ما نام شبعان وجاره – القريب او البعيد في هذه القرية الكونية – جائع.


إن معظم المجتمعات الاسلامية اليوم، واولها العربية، لا تأخذ بتشريع الزكاة ولا بأدب التصدق، ولا بالوان الحبُوس – الاوقاف – على المصالح العامة وطلبة العلم ومراكز الحضارة من جامعات ومؤسسات ثقافية وروابط فكرية وادبية، ثم انها لا تفيد من تجارب تاريخها ولا من تجارب تواريخ الامم الاخرى، فكأنها في غيبوبة عميقة، ولا سيما المنعمين المترفين من ابنائها.


وعلى ان الوفرة في العرب – في كثير من جوانبها – وهم واهم، لما يخلص اليه التحقيق من انها «في ايديهم وليست في ايديهم» وأنها رهينة بالاحتباس او التبديد فيما لا طائل وراءه، فإننا لا نزال نأمل بصحوةٍ تقفهم على حقيقة ان الغنى هو غنى النفس، وغنى الحكمة والعقل، وان عليهم ان يلتمسوا لانفسهم سُبل الحياة والنجاة، وان يخرجوا من ذهولهم قبل ان تضيّع الصيف اللبن، او ان يصيح الصائح: لات حين مناص.