الإخوان وبريطانيا اضطراب لا يصل حد القطيعة

حرب جديدة على جماعة الإخوان المسملين، وهذه المرة بمقاربة بريطانية لأصول العنف المرتبط بالجماعة منذ زمن التـأسيس وبالذات في عهد الشيخ حسن البنا ثم مع سيد قطب.


منذ آذار 1928 حيث تاريخ تأسيس الجماعة وهو عام الأزمة العالمية المالية التي الحقت كساداً في العالم، اعلنت الجماعة أنها قادمه بداعي البحث عن سبل النهوض بالأمة و» عزة الإسلام وخير المسلمين». هذه العزة والنهضة كانت هدفاً في طور الدعوة والتمكين، ولكنها ما لبثت أن جنحت نحو العنف وقامت بسلسلة اغتيالات وعمليات تفجير. وكان الشعار الذي رفع «الإسلام هو الحل». مؤشراً واضحاً على أن أقصى حالات التعبير العنيف بين الجماعة والنظم القائمة قد وصلت إلى أقصى درجات التطرف والشقة والابتعاد.

في مقابل ذلك واجهت الأنظمة جماعة الإخوان في ثلاث صور من التعامل إما بالحظر والتشديد على النشاطات، أو بالنفي والإبعاد كما هي الحال في التجربتين المصرية والسورية أو بالاحتواء كما في الأردن وفي مصر في بداياتها.

أبرّت جماعة الإخوان بكل الجهاديين والحركات المتطرفة، وصاحب ذلك الاحتماء والادعاء بالاستحواذ على مصائر الإسلام، اعتقاد داخلي بين صفوف الجماعة وفي حلقاتها الضيقة أن أنظمة الحكم المعاصرة جاهلية تتبع الغرب في جاهليتها، وكان لدى الجماعة شغف الإخوان بالمعارضة ومواجهة الغرب باعتباره مصدراً لعنف رأسمالي مزق البلاد العربية، وكان ذلك مجرد حالة شعاراتية احبها الإخوان وعاشوا عليها، لكن هذه الحالة لم تمنعهم من التحالف مع الأنظمة المستبدة ضد القوى المطالبة بالحرية والمستندة لـتأييد شعبي، فقد أيدوا الخديوي اسماعيل ودعمهم في مقابل حزب الوفد المستند إلى تأييد شعبي في مطالبه بالحرية والنهضة الوطنية المصرية والخلاص من بريطانيا.

بعد عشر سنوات من العمل الدعوي، انتقلت الجماعة في مصر للعمل السياسي بعد أن زاد عدد المنتسبين فيها إلى نحو مليون ونصف المليون منتسب، وتوزعت شعبها في مختلف مدن مصر من اربع شعب عام 1929 إلى 500 شعبة عام 1938. وهي مرحلة التقاء الثالوت رئيس الحكومة علي ماهر باشا والشيخ محمد مصطفى شيخ الازهر آنذاك المراغي وحسن البنا.

كتب حسن البناء لعلي ماهر باشا: «يا صاحب الرفعة وأنتم في هذه الظروف أحوج ما تكونون إلى أن تكون الأمة جميعا إلى جانبكم، تستمدون منها القوة في الرأي، والتأييد في مواقف العنت والإرهاق وساعات الخطر والتحكم».

ولم يقف الحد عند دعم الإخوان لموقف علي ماهر وحكومته في حياد مصر من الازمات الدولية التي سبقت الحرب العالمية الثانية . بل طلب البنا من علي ماهر المضي بالإصلاحت التي طلبوها واعتبروها سببا لنهضة الأمة وذلك في مقابل طلبات أحرار مصر فقال البنا: يا صاحب الرفعة. يريد الإخوان المسلمون أن تسير الحكومة في إصلاحاتها، وهم يعتقدون أنها إذا أخلصت في هذا واهتمت به وقصدته... فإن الله سينصرها والشعب سيؤيدها، ومن نصره الله وأيده الشعب فلن يغلب أبداً».

قبل هذا الخطاب بعام، كشف البنا عن لغته السياسية، باصدار مجلة «النذير» العام 1938، والاسم دالٌ على معناه، وفي العدد الأول أعلن البناء ان الانتقال بدأ من الدعوة بالكلام إلى الدعوة بالنضال ثم دعا البنا لحل الاحزاب في مصر لكي تكون الساحة فارغة له وحده فقال:» فحل الاحزاب سيتلوه قيام حزب واحد على أساس برنامج اصلاحي اسلامي». اما البرنامج فظل البنا يماطل في كتابته ورفضه فقال «لهنداوي بدير» حين ألح عليه بالقول:» عاوزين تفضي حالك شوي على أساس انك تكتب لنا أيه اللي يطبقه الإخوان.. قال البنا: احنا شبعنا كتباً وكتابات وان المكتبة الإسلامية مليانه وان مهمتنا مش إننا نعمل كتب، مهمتنا إننا نعمل رجاله» .

علم 1947 كشف الباحث البريطاني heyworth- Duam أن الإخوان تلقوا دعماً مالياً من السفارة البريطانية وان احمد السكر قام بهذا الأمر وانه في احدى المرات طلب اربعين الف دولار لمساعدة الجماعة للمخطط البريطاني.» هذا الكشف نفته الجماعة، لكن الثابت أن الإخوان تعاونوا مع علي ماهر لمناوءته لحزب الوفد ومع الخديوي اسماعيل ثم مع الملك فاروق الذي شجعهم ثم قتل زعيمهم.

التقرير البرطاني الذي نشر مؤخراً وأعده السير جونجنكينز،سفير بريطانيا الأسبق لدى المملكة العربية السعودية، لدراسة شكل التطرف عند الإخوان وأصوله المحتمله، أظهر أن حسن البنا قبل باستغلال العنف لأغراض سياسية،ولابدّ اخيراً أن الإخوان طالبوا بالخلافة الإسلامية ورشحوا الملك فاروق لها في مقابل الدعوة الوطنية المصرية التي ناهضت استبداد الملك فاروق، وانهم لم يعتبروا مسألة الهيمنة البريطانية هدفا لهم لتخليص مصر منها، بل كان الهدف عندهم -دوماً- النضال لأجل الحكومة الإسلامية وليس جلاء المستعمر، وهو ما وضحه البنا فيما كتبه تحت عنوان:» رسالة نحو النور» كما أنه أيد المعاهدة المصرية البريطانية، لا بل طلب منه اسماعيل صدقي باشا أن يركب سيارة مكشوفة ويهدئ الجماهير الغاضبة على المعاهدة وقبل بذلك.

لهذا كله، لا تصل العلاقة بين بريطانيا والإخوان إلى حدّ القطيعة.