أكراد تركيا .. بين «الحكم الذاتي» ومناهضة «الوحدة الوطنية»!

تتصاعد وتيرة الاتهامات ومحاولات الشيطنة التي يقودها الثنائي اردوغان – اوغلو، لِوَصْمِ ما يقارب ربع عديد الشعب التركي، بالخيانة وتهديد الوحدة الوطنية ونعتهم بأوصاف جارحة تستهدف الحط من دورهم الوطني وتدفعهم الى خانة النبذ، من قبيل وصفهم بـِ»الوقاحة» وفي الآن ذاته، تهديدهم بوضوح على النحو الذي قاله رئيس الجمهورية اردوغان يوم أمس: «.. الشعب والقانون سيُلقِنان الحزب.. درساً».


الحزب .. هو حزب الشعوب الديمقراطي المُمَثَّل في البرلمان بثمانية وخمسين مقعداً حصل عليها في الانتخابات المبكرة (1/11/2015) التي دَفَعَ اليها اردوغان.. عبر تعطيله – ورئيس وزرائه المُكلّف – تشكيل حكومة ائتلافية، بعد ان كان حصل على اقل من 42% وحاز حزب الشعوب على 81 مقعداً في انتخابات العاشر من حزيران الماضي، ما اطاح مشروع اردوغان بتحويل النظام البرلماني الى نظام رئاسي، لتكون له اليد الطُولى – والأولى – في تحديد ورسم سياسات تركيا محلياً وخارجياً على حد سواء.

ان يُطالب حزبٌ شرعي مُمثِل لأقلية عِرقية مغبونة و»مُطارَدَة»، يجري التمييز ضدها بل ولا يُعترف بها، حيث يُوصف افرادها في اللغة الرسمية التركية بأنهم «أتراك الجبل» ويجري الطمس على ثقافتهم وتميُزِهم القومي، يعني ذلك في عُرْف الحزب الاسلامي «المعتدل» كما سوّقه لنا حلفاؤه من الاميركيين وجماعات الاسلام السياسي العربية، خيانة ووقاحة وخصوصاً في شن حرب شاملة عليهم، بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني التركي PKK الذي يقود ثورة مسلحة ضد النظام التركي منذ ثمانينات القرن الماضي، بعد ان اغلق عسكر تركيا وحزب العدالة والتنمية (بعدهم) الأبواب، أمام طروحات الحزب وزعيمه المسجون في جزيرة ايمرالي التركية، والداعية الى حل «سلمي» للصراع ومنح كرد تركيا حقوقهم المشروعة، وِفق القوانين الدولية الخاصة بحقوق الانسان والاعتراف بهم كقومية مُختلفة ولكن في اطار الدولة التركية.

كل ذلك... ادار له قادة حزب العدالة والتنمية ظهورهم، بعد ان استخدموا «المفاوضات» ووقف اطلاق النار والحوار مع عبدالله اوجلان، وسيلة لتحسين «صورتهم» امام كرد تركيا، واختراقهم والحصول على اصواتهم في الانتخابات المحلية ام البرلمانية وتلك الرئاسية ,ولم يكن اي حزب تركي يحصل على اي اصوات مؤثرة سوى حزب العدالة والتنمية، الذي ضلّل بعضهم بخطابه المُعتدِل نسبياً (ودائماً كلامياً) ومَنَحَهُم بعض الامتيازات الشكلية، كإنشاء قناة تلفزيونية ناطقة بالكردية وتعليم «بعض» المدارس في مناطقهم باللغة الكردية, دون أن يعني ذلك اعترافاً بهم قومياً أو بحقوقهم الثقافية وخصوصياتهم.

تركيا الان في ازمة متفاقمة على اكثر من صعيد والاشتباكات المسلحة الدائرة الان في جنوب شرق البلاد والاجراءات القمعية التي يتخذها الجيش في مناطق الاكراد . بمنع التجوال وقصف الاحياء واطلاق الرصاص على المدنيين وحصار بعض المدن والاحياء, تزيد من المشكلات الصعبة التي يواجهها اردوغان، بعد ان خسر كل اوراقه (وليس معظمها) في صراعات وهمية قام بافتعالها, ظناً منه انه يتوفر على اوراق مهمة, فاذا به ينكشف في سرعة غير مسبوقة ويظهر أمام الملأ كزعيم أوحد، لا يلتزم أي قوانين او ضوابط ويفتقد المعايير السياسية والقانونية التي تَنْظُم العلاقات بين الدول (دع عنك معايير الحكم المحلي وقواعد اللعبة الديمقراطية والدستور التركي) بدءاً من دعمه للارهاب في سوريا ووصفه ما يحدث بأنه «حرب طائفية» وانحيازه المُغرِض وغير النزيه، لما يسميه الاغلبية «السُنية» ثم فتح حدوده للمرتزقة وتسخير مقدرات بلاده لتدمير سوريا وسرقة مصانعها واشاعة الخراب والفوضى فيها بذريعة انها دولة غير ديمقراطية, فاذا بديمقراطيته المزيفة تتبدى الى العلن, كنسخة غير مُعدّلة بل متطابقة مع ابشع «الديمقراطيات» المُدّعاة... ديكتاتورية . وبطشاً وتنكيلاً بالصحافيين ووسائل الاعلام ومن يُخالفه الرأي حتى لو كان حليفه ومَن ساعده وحزبه للوصول الى السلطة مثل حركة الخدمة (حِزْمِت) التي يقودها الداعية فتح الله غولن, مُصادراً اموالها و»بنوك» المُقربين منها، مُطالباً تسليمه زعيمها المقيم في «وَكْرِهِ» في الولايات المتحدة الاميركية..

قد لا يحصل كُرد تركيا في المديين القريب والمتوسط على كامل حقوقهم, لكن «مسألتهم» باتت على جدول الاعمال التركي (والاوروبي خصوصاً) وسيكون اردوغان في دائرة الضوء, عندما يجد حليفه الذي إتكأ عليه لِشَقِّ صفوف الكرد في سوريا وتركيا, مسعود برزاني، يُعلن نيته اقامة دولة كردية «مستقلة» في شمال العراق تضم كركوك (ومن ينجح في استعادتها من الاراضي العراقية التي يدّعي انها كردية) حينذاك سيكون اردوغان (إن بَقِيَ في الحكم أو تَمَكّن من تعديل الدستور ليغدو نظامه رئاسياً) أمام خيارات مصيرية, تقسيم تركيا أو اندلاع حرب اهلية, حيث الاسباب والمعطيات لخيارات كهذه باتت متوفرة واكثر مما يعتقد الذي ظن نفسه سلطاناً عثمانياً جديداً, بأجندة استعمارية كتلك التي حملها أجداده من العثمانيين والسلاجقة.وسيعرف الاتراك إذا كان رفض اردوغان الحالي «لِإجراء عملية جراحية لوحدة بلادنا» سيكون له رصيد على ارض الواقع أم لا.