تلفزيوننا و"الحج يو"

لي كوان يو، ويُسمّى هُنا لاحقاً "الحج يو"، هو رئيس وزراء سنغافورة العتيد، حيث خَدَم كرئيس للوزراء هناك لحوالي ثلاثين سنة تقريباً. وقد استلم الحكومة في سنغافورة وهي شبه جزيرة مهملة مستقلة حديثاً عن إنجلترا، منبوذة من ماليزيا؛ شعبها غير متجانس، فلا تجمعه لغة ولا ثقافة ولا أهداف مشتركة. لكن خلال ثلاثة عقود، نهض "الحج يو" بسنغافورة لتصبح واحدةً من بلدان العالم الأول.


بين سنغافورة قبل عهد "الحج يو" والتلفزيون الأردني تشابه كبير؛ إذ إن تلفزيوننا -وحتى الآن- ليس له رؤيةٌ واضحةٌ ولا لغة مشتركة، وأكيد "الكرو" لديه غير متجانس. وأيضاً، وللأسف، لم يُسخر الله -عز وجل- لتلفزيوننا، هذه المؤسسة الوطنية المُهمة، شخصاً مثل "الحج يو".


تُرى، ما هو السر؟ لماذا تستعصي هذه المؤسسة على كل محاولات التحديث والتطوير؟ هل من المعقول أنّ وضع تلفزيوننا أسوأ من وضع سنغافورة عند نشأتها؟! كيف لمؤسسات إعلاميّة أردنية "بنت إمبارح" أن تتجاوز تلفزيوننا شكلاً ومضمونا، بكفاءات وطاقات أردنية؟! كيف لشبابنا أن يصيروا نجوماً في محطّات عالمية مثل "بي. بي. سي" و"سكاي نيوز" و"الجزيرة" و"العربية"، ولا يُحصِّلوا "نوّاسة" في تلفزيوننا؟!


هل إشكاليات تلفزيوننا تستعصي على علم الإدارة، خاصة أنّها إشكاليات معروفةٌ نوعاً ما؟ فمن منّا لم يسمع عن مشكلة الحمولة الزائدة لمُوظّفي هذه المؤسسة؟ ومن منّا لا يعرف أن قيادة هذه المؤسسة في أغلب الأحيان تنزل عليه بـ"الباراشوت" كجوائز ترضية لشخصيات "حردانة"، أو للتخلّص من شخصيات جاثمة على صدر مؤسسات أخرى، أشخاصٌ في أغلب الأحيان ليس لهم علاقة بالإعلام، وفي الوقت نفسه مطلوبٌ منهم أن يطوّروا مؤسسةً لها إشكالياتها التاريخية، وأن يطوّروها لتُنافس مؤسساتٍ إعلاميّة حديثةٍ ديناميكيةٍ جاذبة، وتعملُ بسقف حريّات عالٍ؟


ونذكر أن هناك مؤسسات في الأردن كانت لها إشكاليات تاريخيّة تماماً مثل تلفزيوننا، ولكن قيادة نوعيّة لتلك المؤسسات حوّلت مسارها، لتكون مثالاً في الإنجاز وخدمة المواطن، ومنها على سبيل المثال مؤسسة الجوازات العامة، ودائرة السَّير، ودائرة الأراضي. إذن، فالقضيّة ليست مُعجزة، لا بل إنّها مسألة ممكنة، وقد حصلت كما أشرت بين ظهرانينا.


طبعاً، الإعلام الأردني وإعلام الدولة والمُواطن، ينتظر الآن الفرج عن طريق المؤسسة الإعلامية الجديدة؛ كمُخلّص لهذه الورطة، ولإنقاذ التلفزيون وإعلام الدولة والوطن. ورغم أنّ طبعي التفاؤل، أتساءل: ماذا لو أن المُخلِّص لم يُخلِص، "شو رح يصير فينا"؟!


الرسالة الإعلامية للدولة، هي قضيّة لا أحتاج للتدليل على أهميتها، فإنّ نصف حربنا على الاٍرهاب هي إعلام، وكُلّ قضايا الوطن تحتاج مؤسسةً إعلاميّة برؤية إعلام وطن، إعلامٍ مُبادرٍ حُر، يؤمن أن صوت المعارضة بأهمية صوت الحكومة، وليس إعلاماً مذعوراً يعتقد أنه إن أغفل خبراً أو منع ظهور مُعارض على التلفزيون فإنّه يُنجز إعلاماً وطنياً، أو يخدم قضايا الوطن، خاصّة في عصر الفضائيات والمُواطن الصّحفي والتدفّق الإعلامي.


تلفزيوننا مؤسسة وطنيّة تحمل رسالة إعلام وطن، "بَدها" مُتخصّص في الإعلام والإدارة، وبصلاحياتٍ -كاملة الدسم- في التّعيين والإقالة أو النّقل. هذه مؤسّسة لا يجوز أن تكون بيئة للكسب والمحسوبية؛ خاصة وأن إخفاقها ونجاحها يظهران يومياً ومباشرةً على المُواطنين، وعلى خَلقِ الله في أنحاء الأرض كافة، وتحت اسم وعَلَم الأردن.


عظّم الله أجركم "بالحج يو"، فقد تُوفِّي منذ فترة قريبة، ولن نستطيع استشارته في موضوع تلفزيوننا. وبانتظار "حج يو" أردني لتطوير تلفزيوننا، نقول: شكر الله سَعيكم.