تحنيط اللبنة وتحنيط الكلام!

قصة اللبنة ومواد التحنيط في الأردن يجب أن لا تمرّ مروراً عابراً، بل عليها أن تفتح ملفّيْ الغذاء والدواء على وسعهما، وبصورةٍ غير مسبوقة. فلم نسمع حتى الآن أن وزارة الصحة قد تنادت لاتخاذ إجراءات حاسمة لحماية صحتنا. فما زال السوق ينغلُ ببيضٍ ودجاجٍ هرموني يقتات على مواد بيولوجية، بدليل وجود ما يسمى بالبيض النباتي والدجاج النباتي. كما لا ندري ما تحمله اللحوم المستوردة والأطعمة المستوردة من مواد وتواريخ منتهية، فمن أسهل الأمور التلاعب بها، وخصوصاً في غياب الضمائر.


والسؤال الآن لوزارة الصحة: ما هي الاستراتيجيات التي تنطلقُ منها الوزارة لحمايتنا من السرطان الفتاك وبقية الأمراض التي تنشب أظفارها في الشعب الأردني؟ وهل لديها من جوابٍ على مستوى الإشعاع الذي يجعل من الأردن من بين أعلى البلدان بالإصابات السرطانية؟ الإشعاع الطبيعي الذي ينطلقُ من المواد الفوسفاتية في جنوب الأردن؟ هل حذرت الوزارة يوماً ونبّهت على ضرورة سلوكٍ يوميٍّ في تهوية البيوت الأرضية خاصةً، من أجل تشريد الإشعاع والتخلص منه؟ وهل وهل وهل؟


أسئلةٌ ملحاحةٌ لا نسمع لها إجابات شافية.. لعله من المفيد أن تتحرك الوزارة يوماً للإجابة عنها.


ومن جهةٍ أخرى، وبعيداً قليلاً عن الحكومة وإهمالاتها، ثمة ظاهرةٌ شعبية تثير القلق، وهي التعليقات السلبيّة التي دارت حول فوز المتسابقة الأردنية نداء شرارة في برنامج "أحلى صوت". فقد تناولت التعليقات حجاب الفتاة، لتظهر العنصريّة العميقة التي تنطوي عليها. فهي تطالبها إما بخلع الحجاب أو بالتوقف عن الغناء.

 وهي قادمةٌ من اتجاهين على طرفي نقيض؛ الأول من المتأسلمين والمتدينين الذين يرون في الغناء مسبةً وخروجاً من الإسلام، والثاني من "المودرن" وبعض المنتسبين للعلمانية، فكراً لا سلوكاً. وإذا ما كان على الاتجاه الأول الذي نعلم رأيه، أن يعيرنا سكوته، لأن الفن سيبقى، وينبغي أن يبقى حتى لا يظل أمثاله في حصار الأيديولوجيا والبشاعة، فإنَّ على الاتجاه الثاني أيضاً أن يعيرنا سكوته، حتى لا تكون العلمانية على ألسنته مجرد شعارٍ تافه لا تؤمن بالحرية الشخصيّة للإنسان. وهي في رأيي جريمةٌ بشعةٌ يجب أن لا تمرَّ دون أن يحاسب أصحابُها أنفسَهم وأن يحاسب القانون من تجاوز منهم الخطوط الحمراء.


إن مواد التحنيط التي تُرَشُّ على الطعام، وعلى مفاهيم التخلف والتطاول وتجاوز الحدود، تأتي من شعبٍ يتظاهر بالعفّة والطهارة والورع وتقوى الله، ويملأ الشوارع بلوحات الدعوة إلى التسبيح وذكر الله (ولا واحدة تحمل عبارة: من غشنا فليس منا! أو إن الله يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنَه!).. فلينظر هذا الشعب فيما هو فيه من خلل ومن رياءٍ ومن خداعٍ لله قبل الخَلْق.


وعلى ذلك أعقد الأمل...!