التطبيع بين تركيا واسرائيل

احتفت وسائل الاعلام المؤيدة لـ «معسكر الممانعة»، والمصفقون للنظام السوري» ، المتحمسون لـ «فزعة» روسيا لحمايته، بخبر سربته اسرائيل ، عن اتفاق وشيك مع تركيا لتطبيع العلاقات يشمل عودة السفيرين ، واعتبر هؤلاء أن هذا الاتفاق المزمع يكشف حقيقة مواقف القيادة التركية « التآمرية « ضد النظام السوري وزيف مزاعمها ، و«عنتريات» إردوغان عن دعم القضية الفلسطينية.


الاستنتاج بأن تركيا «هرولت» ،باتجاه اسرائيل هروبا من الضغوط الروسية ، لا يصمد أمام المعطيات الواقعية ،وهو مبني على أحكام مسبقة وتصيد ،في سياق ما تشهده المنطقة من اصطفافات وتحالفات ، وحرب ضروس تدور رحاها على الأرض السورية والعراقية ، تحت عنوان محاربة الارهاب وبخاصة ضد تنظيم «داعش». وليس بعيدا عن تداعيات إسقاط تركيا للطائرة الروسية، وما شكله ذلك من صفعة سياسية جرحت كبرياء «الدب الروسي» ،الذي يحاول استفزاز تركيا في محاولة للثأر، فضلا عن الزوبعة التي أثارتها حكومة بغداد ،بتحريض ايراني روسي ضد إرسال تركيا مدربين عسكريين الى معسكر بعشيقة ، واعتبار ذلك انتهاكا لسيادة العراق، في الوقت الذي تنتهك سيادة البلاد جوا وبرا، من قبل عشرات الدول على مدار الساعة.

التوتر في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب منذ عدة سنوات ، سببه الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال، بمهاجمتها «اسطول الحرية» ،الذي كان يحاول كسر الحصار على غزة عام 2010 ، ونتج عن العملية مقتل عشرة نشطاء اتراك ،كانوا على متن سفينة «مرمرة» ضمن الاسطول.

والى الذين يعيبون على تركيا، انها تتفاوض مع اسرائيل لتطبيع العلاقات ،قد يفيد تذكيرهم بأن أنقرة وضعت شروطا لتحقيق ذلك، أولها تقديم اسرائيل اعتذارا رسميا عن جريمتها بقتل النشطاء الاتراك، وقد فعل ذلك رئيس وزراء الكيان نتنياهو، والشرط الثاني تقديم تعويضات مالية لذوي الضحايا ، وقد وافقت تل أبيب حسب الاتفاق الذي لم ينجز بعد، أما الشرط الثالث والمتعلق برفع الحصار عن غزة، فلا تزال المفاوضات مستمرة بشأنه، وحسب ما سربه مسؤول اسرائيلي ،فان الاتفاق يشمل تقييد نشاط قادة حماس في تركيا، وعدم السماح للقيادي البارز في الحركة صالح العاروري بالعمل داخل تركيا ،وأشك أن ذلك سيحدث، دون تجاهل أن بعض الدول العربية تعتبر حماس حركة ارهابية.

والجديد في العلاقات ، أن تركيا تسعى لاستيراد الغاز الطبيعي من اسرائيل ،وهو توجه لا شك مدفوع بقرار روسيا وقف تزويد انقرة بالغاز، ردا على إسقاط الطائرة، وأمر طبيعي أن تلجأ الدول الى مصادر أخرى ،عندما تتعرض الى عقوبات تعسفية كما تفعل موسكو.

اسرائيل تقوم بجرائم حرب وانتهاكات يومية بحق الشعب الفلسطيني،ولا يطالبها العرب بالاعتذار او التعويض، وطائراتها الحربية تنتهك منذ سنوات أجواء سوريا ، التي يقودها « نظام الممانعة» وقصفت العديد من المواقع والاهداف العسكرية والمدنية ،كان آخرها قبل أيام ،غارة جوية على دمشق قتل فيها القيادي بحزب الله سمير القنطار ،وقبل نحو اسبوعين ، دمرت غارة اسرائيلية عددا من الشاحنات العسكرية التابعة لجيش النظام في دمشق ، وقبل سنوات اغتال الموساد القائد العسكري في حزب الله «عماد مغنية» في دمشق، ولم يرد النظام ،ولم يطالب باعتذار أو بتعويضات.

والطريف ان هذه الغارات والانتهاكات الاسرائيلية لسيادة سوريا ، تتزامن مع التصريحات النارية للرئيس الروسي بوتين ،والاستعراضات التلفزيونية التي يقوم بها جيشه ،لأحدث الأسلحة التي يمتلكها، وخاصة صواريخ «اس 400» المضادة للطائرات ! علما أن الهدف الاساس للتدخل العسكري الروسي في سوريا، هو حماية النظام ،بالتنسيق مع اسرائيل.

سياسة تركيا الخارجية ليست مثالية ،وليس مطلوبا منها التعبيرعن الطموحات العربية ، وهي تهتم أولا بمصالحها كأي دولة ،لكن علاقاتها مع اسرائيل لم تشهد توترا ،كما حدث منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2002 ،والسبب يتعلق بالانحياز للقضية الفلسطينية ، فلماذا يطلب من تركيا أن تقوم بدور العرب ،وتحرر فلسطين.. وهي لا تدعي ذلك.