عن دمشق «النظيفة».. من «داعش»؟

يتوازى خروج تنظيم داعش «النهائي» من ريف العاصمة السورية الجنوبي « تم يوم أمس» إن لم يفق في اهميته ودلالاته، نجاح الجيش السوري في القضاء على زهران علوش متزعم التنظيم الارهابي الذي خلعوا عليه تضليلاً اسم «جيش الاسلام» مع رهط من قادة المجموعات المسلحة الذين التقاهم سرّاً , في محاولة لتأجيج المعارك في الغوطة الشرقية لدمشق , بعد سلسلة من الهزائم والهزات التي لحقت بهم , وصلت ذروتها في استعادة القوات السورية لمطار مرج السلطان للطائرات المروحية والمطار البديل , فضلاً عن بسط سيطرته على كامل القرية الاستراتيجية (مرج السلطان) وليس انتهاء بالطبع في الاتفاق الذي تم بين داعش ولجان المصالحة السورية والقاضي بخروج مقاتلي داعش وعائلاتهم الى مدينة «الرقة» مقابل تسليم اسلحتهم الثقيلة والمتوسطة والمناطق التي سيطروا عليها في احياء الحجر الأسود والقدم ومخيم اليرموك , الى لجان شعبية خاضعة لإمرة الجيش السوري.


وبصرف النظر عن الاهمية الاستراتيجية لتنظيف احياء العاصمة دمشق الجنوبية من مقاتلي داعش والاهمية الرمزية لتصفية احد ابرز الجهاديين التكفيريين من الارهابيين متزعم جيش الاسلام زهران علوش، فان مجرد تعقبه والوصول اليه وتوجيه ضربة دقيقة له، يؤشر الى ضيق هوامش مناورة من كانوا يَتَحكّمون بالغوطة الشرقية ويُمنّون أنفسهم – والرعاة والممولون والمُسلِّحون – بالسيطرة على دمشق الفيحاء بعد «سقوط» النظام.. الذي ظنوا لفرط سذاجتهم وضحالة تفكيرهم – انه مجرد مسألة وقت، اصبحت هذه الهوامش الضيقة وربما في طريقها الى الانحسار والتراجع ,وهو ما تؤشر اليه الاوضاع الميدانية والارتباك الذي ساد صفوتهم بعد تصفية علوش وكيف رَكّزت وسائل اعلامهم وخصوصاً تلك الحاضنة لارهابهم , على ان من قام بالغارة الجوية التي استهدفت الاجتماع السِرّي الذي قاده زهران علوش هي طائرات «روسية» فيما هي في واقع الحال طائرات سورية، تبنّاها علناً ناطق باسم الجيش السوري فضلاً عن تزويده وسائل الاعلام بصورة دقيقة وواضحة للهدف المقصود وطريقة استهدافه..

ما علاقة جنيف 3 بتصفية علوش؟

اللافت في وقائع وأحداث 25 كانون الأول 2015، ان الذين افقدتهم صدمة تصفية زهران علوش...صوابهم, راحوا «ينعون» المسار السياسي للازمة السورية, مُحَمِّلين موسكو مسؤولية ذلك, لانها قصفت العملية السياسية بقتلها علوش , وهو ربط ساذج وغبي ليس فقط في ان جنيف لم تعد واردة على طريق العملية السياسية بعد ان أخذت «فيينا» بِبَيانيها الاول والثاني مكانها, بل وأيضاً لأن الطائرات الروسية لم تكن هي التي قامت بالعملية فضلاً عن ان جيش الاسلام لصاحبه زهران علوش , ليس مؤهلاً للجلوس على طاولة المفاوضات كونه سيُصَنّف, شاء من شاء وعارض من عارض في خانة... المنظمات الارهابية.

من هنا وعودة الى إخراج داعش من ريف دمشق الجنوبي, فإن ما جرى يوم امس , يُضيء على طبيعة المشهد الميداني الجديد الذي تعيشه الساحات السورية, والخسارات المتلاحقة للجماعات الارهابية , سواء في محيط العاصمة دمشق وغوطتيها الشرقية والغربية, أم في انهيار جبهات الارهابيين في ريف حلب الجنوبي وذلك الشمالي , خصوصاً في ريف اللاذقية الشمالي والاحتمالات الماثلة لتنظيف جبالها الاستراتيجية من المجموعات الارهابية, بعد إحكام السيطرة على جبل النوبة وجبل زاهية وجبل التركمان والجزء الاكبر من جبل الاكراد , ودائماً في فصل ريف حلب عن ريف إدلب , بكل ما تحمله هذه التطورات الميدانية من امكانية لتطويق إدلب والتقدم نحو مدينة جسر الشغور, تزامناً مع تقدم وحدات الجيش السوري باتجاه دير الزور... لتحريرها.

الجدل الدائر حول «غموض» الاتفاق بين لجان المصالحة وداعش لاخراج الاخير من ريف دمشق الجنوبي, يشي بِتَعَمّق مأزق باقي المنظمات الارهابية , التي وإن كانت تُعلن عداءها لداعش , الا انها نظرت اليه كقوة احتياط تعتمد عليها لزيادة قوتها المتناقصة بعد سلسلة الهزائم التي لحقت بها في الغوطة الشرقية, فضلاً عن ان عودة الفصائل والمجموعات المؤيدة للنظام السوري الى المناطق التي سيُخليها داعش وخصوصاً مخيم اليرموك, سيزيد من حدة التوتر والمواجهات مع مَن تَبَقّى من هذه المنظمات في تلك المناطق , وهو امر سَيسْتنزِفها و يُعَجِل من هزيمتها او اجبارها على السير في طريق داعش والخروج النهائي من تلك المناطق.

في السطر الاخير... يَجدُر بالذين ما زالوا اسرى اوهامهم ورهاناتهم الخاسرة على «الارهاب» بأن يحقق اهدافهم السياسية غير المُنسجِمة مع هزال قواهم وتبدد نفوذهم وما يلحق بهم من خسائر مالية واخرى جيوسياسية , ان يعترفوا بالحقائق وأن يأخذوا العِبرة من دروس السنوات الخمس التي انقضت على الازمة السورية , وان لا تأخُذهم العِزة بالأثم , لأن عنادهم سيكلفهم الكثير, فليس غير «طاولة الحوار» مِن مُؤَهَل لإنقاذ المنطقة بأسرها.. دولها والشعوب.