شكرا لسفيرتنا الأمريكية
أدهشتني سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية حد تقديم الشكر الجزيل لها، حين تحدثت للتلفزيون الأردني، عن العلاقة الأردنية الأمريكية، في البرنامج الاقتصادي «مال وأعمال» الذي يقدمه الصديق المهذب فائق حجازين ..
بطلاقة؛ وبموثوقية وتوثيق دقيق تحدثت السيدة أليس ويلز، ولا أهتم بالمعلومة هنا قدر اهتمامي بقوة الاقناع ومهنية الخطاب الإعلامي.. ما أفصح هذه السيدة حين تتحدث عن الأردن! إنها تتحدث كخبيرة أردنية في الشأن الأردني الاقتصادي والسياسي، وهذا ما نفتقده حقا .
وشعرت بالأسى أيضا؛ لا أنكر !
لماذا لا نجد فنيات هذا الحوار لدى السياسي والديبلوماسي الأردني؟ وهنا أعود الى الحالة الفريدة التي تصف شخصية جلالة الملك عبدالله الثاني الإعلامية، فقوة تأثيره في وسائل الإعلام حول العالم ملحوظة، وتشكل رواية أخرى لما يدور في المنطقة، يقدمها جلالته على درجة عالية من المنطق والاقناع والذكاء، لكن يا ترى: من لدينا غير جلالته يتحدث بهذه القوة وهذا التأثير؟..
المسؤول الأردني؛ غالبا، لا يكاد يفهم مجال اختصاصه، ويظهر ضعيفا حين التحدث عن وزارته أو مؤسسته التي يديرها، حتى وإن توفرت له المعلومة فهو غالبا لا يتمتع بمهارات إعلامية يمكنه من خلالها الوصول الى عقل المتابع، حتى مع وجود المستشارين الاعلاميين فالخطاب الصادر عن هذا المسؤول مبهم، يتدحرج على مرأى ومسمع المتلقي، ولا تنوير فيه سوى إشعاعات متباعدة بالكاد يفهمها المتابع الخبير، ولا تصل مطلقا الى المتلقي البسيط.
أما من غادر موقع المسؤولية، فحدث ولا تلتفت الى الحرج مطلقا، فهو في أفضل أحواله متحدث بارع في المغالطة النابعة من معارضة عمياء مبنية على الشخصنة، وتقع ضمن مفهوم «التغريد» خارج السرب، وما أكثر هذه النماذج من السياسيين والاقتصاديين والمفكرين لدينا، كلهم ثوار خارج موقع المسؤولية، والتشكيك منهجهم الأول، والفكرة كما نفهم « لو كنت في موقع المسؤولية» ..الرجل يريد العودة الى إدارة الشأن الأردني العام مرة أو مرات أخرى ويثبت مواهبه باعتباره رجل الساعة و (كثيرا ما ينجح بالعودة)، ثم يصمت !
تتحدث السفيرة الأمريكية، وتورد أسماء مدن وقرى، وتذكر أسماء مواطنين عاديين ومسؤولين أردنيين، وتذكر أرقاما وأحداث أردنية وكأنها تقرأ من ورقة، وعلاوة على «فصاحتها» التعبيرية، وإلمامها الواسع بالشأن الأردني، يتبدى من ثنايا حديثها خطاب آخر، يتجاوز المعلومة الأكيدة إلى ترسيخ قناعة المتلقي، وهذا بعد استراتيجي مهم في الاعلام السياسي..ويجد لدينا مسؤولين لا يعرفون حدود الأردن!
تشعر بأن الخطاب المكتنز بالمعرفة والفنيات الاعلامية بحد ذاته استراتيجية مفقودة بالنسبة لسياسيينا، الذين اعتادوا الترقيع و»الفزعة» في تصريحاتهم وأفكارهم ومبادراتهم، فيغدو الاستماع إليهم محض مطاردة لجملة استراتيجية كاملة، لا تجدها حتى وإن أعطيت المتحدث كتابا ليقرأ منه، فهو سوف ينسى بأنه المتحدث الرئيس ويبدأ باللف والدوران الذي مرده «دهشته» مما يقرأ، وينسى بأنه يتحدث للإعلام ليقنع المتلقي، وليس ليبحث عن الدهشة والفكرة ثم «يبحش» عن الكلمة في مخزونه اللغوي المتواضع، فتخرج منه الكلمة غير متسقة مع أي سياق..
أكرر شكري للسفيرة التي شعرت بأنها سفيرة لبلدي، وأعبر عن أسفي بل خيبتي من خطاب دولة يتوه ويصبح خشبيا حين يتحدث عنه بعض من مسؤولينا ومن أبناء البلد.