صافعة البوعزيزي .. حزينة ونادمة

من صفعة الشرطية فادية حمدي للبائع المتجول محمد البوعزيزي في ولاية سيدي بوزيد في الجنوب التونسي قبل خمسة أعوام، انطلقت شرارة ما سمي بالربيع العربي.

 

 

في مقابلة لها قبل أيام قالت فادية أحمد إنها حزينة ونادمة على ما قامت به ضد المسكين البوعزيزي، الذي أحرق نفسه جراء الظلم الذي وقع عليه.

 

 

يا سيدتي فادية، نحن من الخليج إلى المحيط العربي نادمون معك وحزينون لما وصل إليه الحال في شعوبنا ودولنا من قتل وتشريد للإنسان العربي، نحن في الخليج العربي وفي السعودية خصوصاً لم نسلم من صدي صفعتك المدوية، ولو أن التأثير أقل بسبب طبيعة الأنظمة الخليجية، التي أشركت المواطن في العملية التنموية، ولكن هذا لا يعني أننا لم نتأثر بتلك الشرارة، فها نحن اليوم في مجتمعاتنا الخليجية نعاني من الإرهاب الذي يحاول أن يدمر مجتمعاتنا ويستهدفنا جميعاً.

 

 

هذا من ناحية، في منحى آخر نجد الخطاب الطائفي البغيض الذي لم نعتد عليه في مجتمعنا منتشر ومتداول في خطابنا الثقافي في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، هذه الظواهر هي خطرة على وحدتنا الوطنية، وتخلق فجوات للخارج وبعض القوى في الداخل لتدمير ما تم بناؤه.

 

 

فادية حمدي الشرطية المسكينة، ظهرت صورها في تلك المقابلة وهي تذرف الدموع ونادمة أشد الندم بما قامت به وتقول: «إن النتيجة كانت مأسوية بكل المقاييس، فالقتل منتشر، والضحايا بالملايين في وطننا العربي»، ولكن هل ينفع الندم بعد هذه الدماء التي تسفك من دون هدف واضح، وخروج من أزمة مستمرة على مستوى الإنسان العربي والنظام العربي الرسمي، فجراء هذه الفوضى غير الخلاقة التي بدأت في ولاية سيدي أبوزيد سقطت أنظمة عربية شمولية، ولكن البديل -للأسف- لم يكن أفضل حالاً من تلك الأنظمة، فعم الإرهاب المتلبس باسم الدين في منطقتنا؛ بسبب اختطاف تلك الثورات العربية من قبل تيارات سياسية إسلاموية، يأتي في مقدمها تنظيم «الإخوان المسلمين»، الذي يستخدم الخطاب الديني للوصول إلى السلطة السياسية، وإقصاء جميع المكونات السياسية الأخرى، وهذا أخطر من بعض الأنظمة التي قامت الثورات ضدها، وللأسف أن بعض القوى الغربية الفاعلة تدعم هذا التنظيم، باعتقادها أن القضاء على التنظيمات الجهادية مثل «القاعدة» و«داعش» لن يكون إلا بتبني ودعم جماعة «الإخوان المسلمين»، الأكثر اعتدالاً كما يعتقدون، متناسين أن هذه التنظيمات الجهادية خرجت من رحم التنظيم الدولي لهذه الجماعة، وكلنا يتذكر أن بعض دولنا ومنها المملكة قد جرمت هذه التنظيمات.

 

 

جرّاء تلك الصفعة كم خسرنا من البلايين في عالمنا العربي، خصوصاً في دول الخليج والمملكة بالذات، فجرّاء هذا الربيع البائس انهارت مراكز القوى العربية في مصر، التي تحاول أن تتعافى، وبعض دول المغرب العربي، وحرب فرضت علينا في اليمن، وحروب أهلية في العراق والشام، هذه الظروف فرضت على المنظومة الخليجية أن تتصدى لهذا الفراغ السياسي والفوضى المحيطة بها، وكل ذلك للأسف على حساب التنمية داخل دولنا العربية عامة، فلقد ضاعت تلك الأموال وكان الأولى أن تستثمر بالتنمية في دولنا، ولكن لا نقول سامحك الله يا ست فادية على صفعتك الطائشة، ورحم الله البوعزيزي وملايين القتلى والمشردين من أبناء العرب.