دعونا نعيّد معا

يقعُ غدا عيد ميلاد النبيّ الكريم، مثلما يقع بعد يومين منه عيد ميلاد السيد المسيح، أي بتقاربٍ زمنيٍّ يجعلنا نفكر بالاحتفال بهما معاً.


وهو تفكيرٌ لم تفرضْهُ علينا المصادفةُ فحسب بل الروابط الإنسانيّة والتاريخيّةُ العميقةُ بالإضافة إلى أخوَّة الوطن الواحد والأخوَّة الإنسانيّة. فعندما دخل الإسلامُ بلادَ الشام كان جميعُ أهلها من أتباع الناصريّ عليه السلام وله المحبّة. فهم أهل الأرض الأصليين وبناةُ حضارة هذا المكان الذي أصبح بعد مخاضاتٍ طويلةٍ وطناً للجميع، وليس بعد أن دخل منهم من دخل في الإسلام.


فثلاثة أرباع أردنيي شرقيّ النهر وغربيّه، على الأقل، كانوا من النصارى أتباع الناصريّ، فليس من عجبٍ أن يكون قد تعمّرت بين من بقي على دينه وبين من اختار الدين الجديد، علاقةٌ جميلةٌ يضبطها التراحمُ وحسن التناغم والجوار.


وقصص هذا التراحم لم يغفلها تاريخ المنطقةِ، وظلَّت تعبيراً عن معاني المحبة التي عليها تأسَّس دين المسيح، ومعاني الآية القرآنية "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ" (المائدة، الآية 82).


إلى أن أتانا من تحت أرض الجهل والتخلُّف، و"الإسلام" المصنَّع في معامل الكراهية والبشاعة، كوباءٍ، من يكفِّرُ من يهنّئ مسيحياً بعيده، ومن يدعو إلى التفرقة والعنصريّة، ومن يوجِّه المشاعر الدينيّة نحو الحقد على الآخر ونفيه ومحو وجوده، وتجريده من حقوقه الإنسانيّة.


وظهر دعاةٌ يفجُرون ويوجّهون نحو معانيَ لم ترد على خاطر إبليس نفسه، حتى أخذ التشدُّدُ والانحرافُ والتطرُّفُ شكلَ الإرهاب. وها هو يعيثُ في سورية والعراق واليمن وليبيا باسم الإسلام، وتحت راية الجهاد!
ويظلُّ، أيها الأعزاء من القراء والقارئات، أنَّ كره المسيحيّ والتجافي عنه في الوطن الواحد، ما هو إلا الخطوة الأولى نحو الإرهاب الذي تعلنُ أغلبيتُنا انحيازَها ضدّه. فلنحتفل مع إخوتنا في الوطن والإنسانيّة بعيدنا المشترك، احتفال محبّةٍ وسلام... علينا جميعاً السلام والمحبة.


وعلى ذلك نعقد الأمل...!