فوضى التنبؤات الجوية


قبل أكثر من أسبوعين تناقلت وسائل الإعلام المختلفة وتحديدا الالكترونية منها أي غير الرسمية أخبارا على لسان احد الأشخاص الذي عرف نفسه بأنه متنبئ جوي يقول فيها أن جبهة هوائية باردة مصاحبة لمنخفض قطبي سوف تعبر المملكة ومنطقة الشرق الأوسط يوم 28 كانون أول الجاري وأنها ستؤدي إلى تساقط الأمطار الغزيرة والثلوج الكثيفة التي تغطي معظم مناطق المملكة، وان الثلوج سوف تتساقط على المناطق التي يزيد ارتفاعها عن 700 متر عن سطح البحر أي في وسط مدينة عمان!! كما أن بعض مواقع الطقس المحلية أشارت أيضا إلى احتمال تساقط الثلوج في هذه الفترة ليس قبل أسبوعين بل منذ نهاية شهر تشرين الثاني الماضي.
ومنذ ذلك اليوم قامت الدنيا ولم تقعد، فالكل أصبح ينتظر هذا الزائر الأبيض بشغف، وانهالت الاتصالات على دائرة الأرصاد الجوية تسال عن موعد هذه العاصفة الثلجية، وتسابق الجميع في توصيف الثلوج المرتقبة عبر وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة الممزوجة بشيء من الدعابة والفكاهة والانتقاد أحيانا، والتي فتحت المجال لغير المختصين بإصدار الفتاوى الدينية والعلمية كل حسب هواه وحسب تخيلاته واعتقاداته، وحتى أنني بحسب عملي في دائرة الأرصاد الجوية منذ 19 عاما قبل انتقالي إلى جهة رسمية أخرى لم اعرف صديق ولا قريب إلا وسألني متى موعد الثلوج وفي أي يوم سوف تتساقط وفي أي ساعة؟!
إن علم الأرصاد الجوية الحديث رغم التطور العلمي الكبير في تكنولوجيا الرصد الجوي والتنبؤات الجوية يؤكد بأن دقة التنبؤات الجوية تتراجع مع طول المدة الزمنية، فمثلا تصل نسبة دقة التنبؤات الجوية لمدة 24 ساعة إلى حوالي 90% أو تزيد وتقل النسبة إذا زادت المدة فتصل إلى حوالي 85 % لمدة 48 ساعة وتصل إلى حوالي 40% عند التنبؤ بالطقس لمدة 4 أيام، وعليه فان مراكز التنبؤات الجوية العالمية لا تصدر تنبؤاتها لمدة تزيد عن أربعة أيام، لكن في نفس الوقت يتم تحديث المعلومات كل 12 ساعة بحيث تتوافق مع التغيرات التي تحدث في الطقس.
إن كل جهة رسمية مسؤولة عن الطقس والتنبؤات الجوية في العالم والتي تعتبر عضو في منظمة الأرصاد الجوية العالمية WMO تلتزم بالأسس والمعايير العلمية في إصدار النشرات الجوية منها أن لا تزيد مدة التنبؤات الجوية عن أربعة أيام، وإذا ما كانت هنالك خرائط للطقس توضح وجود منخفضات أو مرتفعات جوية قادمة تزيد عن أربعة أيام فهي نوع من الاجتهاد العلمي لكن لا يمكن الاعتماد عليها حيث أنها تتغير وكل من يعمل في التنبؤات الجوية يعرف هذه الحقيقة، فكيف يتم نشر أخبار على المواقع الالكترونية في بداية شهر كانون الأول الجاري تتوقع فيها سقوط ثلوج كثيفة يوم 28 الجاري أي قبل حوالي شهر من موعدها؟ وعلى ماذا استند في تنبؤاته؟
الحقيقة التي لا يعرفها الكثيرين أن دقة التنبؤات الجوية لا تحتاج إلى عبقرية أو تميز، إذ أن عملية التنبؤ الجوي تحتاج إلى تجميع معلومات الطقس التي ترصدها آلاف محطات الرصد الجوي الموزعة في العالم أو على الأقل في المنطقة الجغرافية القريبة من المنطقة المطلوب التنبؤ الجوي فيها، فعلى سبيل المثال إذا أردنا أن نتنبأ بالطقس في الأردن فيجب معرفة معلومات الطقس المرصودة في شمال إفريقيا وغرب آسيا وقارة أوروبا وغرب الاتحاد السوفييتي، وبالطبع فان معلومات الطقس التي ترسلها محطات الرصد الجوي في هذه المناطق تتضمن درجة الحرارة والضغط الجوي والرطوبة الجوية واتجاه الرياح وسرعتها والحالة الجوية السائدة وغيرها، ومن خلال هذه المعلومات يمكن للمتنبئ الجوي معرفة مناطق وجود المنخفضات الجوية والمرتفعات الجوية ومدى تأثيرها على منطقتنا.
والحقيقة أن الحصول على معلومات الطقس ليس متاحا للجميع، حيث يتطلب الاشتراك في منظمة الأرصاد الجوية العالمية مقابل رسوم سنوية باهظة، حتى تصلها معلومات الطقس عبر شبكة عنكبوتيه خاصة، وهي مهمة جدا في التنبؤ الجوي وتستخدم بشكل كبير أيضا في رحلات الطيران لضمان السلامة الجوية، والتغيرات المناخية، وغيرها من المعلومات، أما بعض المواقع الالكترونية التي تدعي التنبؤ بالطقس وهي ليست عضوه في منظمة الأرصاد العالمية فهي تعتمد على ما يصلها من معلومات عبر مواقع الانترنت وهي في كثير من الأحيان غير دقيقة وتخالف الواقع بشكل كبير.
أهدف من هذه المقدمة التي ذكرتها إلى توضيح حقيقة عمل التنبؤات الجوية وأنها ليست متاحة للجميع، وان التنبؤ الجوي أصبحت ترتبط بشكل كبير بطبيعة الحياة المعاصرة، فالدولة بجميع مؤسساتها والطلاب والموظفين والشركات وربات البيوت والمصانع والمسافرين وكل أفراد المجتمع تتأثر بشكل كبير بالحالة الجوية، وعليه فان في نشر أخبار الطقس عملية هامة وتؤثر بشكل كبير على عمل الدولة ومقدراتها، والأخطاء التي تقع فيها عملية التنبؤ الجوي تكلف الدولة والمجتمع الكثير.
لذلك فإننا نتمنى أن يكون هنالك تنظيم في نشر أخبار الطقس والتنبؤات الجوية، وان تكون صادرة عن جهات رسمية مسؤولة تشرف عليها الدولة، وفيها من الكوادر العلمية المدربة والخبيرة والتي اصبحت الكثير من الدول المتقدمة تستورد هذه الكوادر العلمية من دائرة الارصاد الجوية في الاردن، ويحملون شهادات من مراكز علمية مرموقة، لكنهم لا يلهثون خلف الاعلام لذلك لا يعرفهم الناس ولا يعرفون قدراتهم العلمية في التنبؤ الجوي وهذا ليس ذنبهم او تقصير من قدراتهم، ولا يعتمدون على مبدأ التنافس والسبق الإعلامي الذي يحقق أهدافا ضيقة بعيدا عن الأهداف العليا والعامة للوطن.