أين سيضرب «داعش» هذا المساء؟

في انتظار حادثة إجرامية نأمل بأن تطول أو لا تتحقّق أبداً، لا ينفكّ المرءُ في جهات الأرض الأربع يهجس بمخاوفه الدفينة والمعلنة: من يَقيني نارَ الإرهاب، وأيّ ستار يمكنه أن يجعلني أنام ليلي الطّويل، بلا مفرقعات، أو أن أحصي النّجوم من دون أن يسيل دمٌ على جبهتي وعينيّ؟!

 

 

ولا يملك أيّ أحد أو أيّ جهاز، يقين الحماية المطلق من خطر الإرهاب، لا سيما عندما يتّشح بلبوس دينيّ أو أيديولوجيّ، كما هي الحال في اللحظة الكوكبيّة الراهنة التي أضحى صوت سيّارة إسعاف تنقل امرأة حاملاً، كافياً لدبّ الهلع في نفوس النّاس الذين لفرط ذعرهم أضحوا مستعدّين للتّنازل عن مكتسبات أساسيّة كي يشعروا بالأمن والسكينة.

 

 

أين سيضرب «داعش» هذا المساء؟! سؤال فيه الكثير من الإسراف في الخوف، معطوفاً على الإسراف في الظن بعجز الدّول وأجهزة الأمن في العالم عن تقديم إجابات مقنعة حول سبل محاصرة العنف في أشكاله كافة، سواء كان هذا العنف آتياً من المتشدّدين الأيديولوجيين الذين يكرهون الدّنيا، ويعتبرونها جنّة الكافرين، أو من الناخبين الذين يقترعون للبرامج الأكثر استئصاليّة، والأكثر تحريضاً على رفض الآخر، والأشدّ مقدرة على التعميم، بحيث يذهب المسلمون كلّهم بجريرة «داعش» أو «القاعدة» فيصبحوا أهدافاً محتملة للتهميش وربما الانتقام، وسوى ذلك من مغذّيات العنف، ومشهّيات النار التي يلقمها خطاب الكراهية المضاد بالحطب والوقود. أين سيضرب «داعش» هذا المساء؟! ما دام أن مرشح الرئاسة الأميركي عن الحزب الجمهوريّ دونالد ترامب، يصرّ على منع المسلمين من دخول الولايات المتّحدة، قالباً ظهر المجنّ لأكثر من بليون ونصف البليون شخص في العالم، ومستعدياً كتلة بشريّة ما انفك جلّ أفرادها يشحنون الكون بالطّاقة الإيجابيّة، ويؤثّثونه بالخير والرجاء.

 

 

ولو يعلم المشتغلون بالميديا ماذا يقدّمون للتنظيمات الإرهابية من خدمات وهم يشحنون في تصريحات ترامب تأييداً واستنكاراً وتجلية، لتوقفوا عن ذلك، لأنّ هذا ما يرجوه الإرهابيّون الذين لا يعدمون، في الأحوال العاديّة، الذريعة لتنفيذ جرائمهم، لكنّهم الآن مدجّجون بحجّة «مقنعة» للانتقام من «العالم الصليبي» وملاحقته حتى لو كان في «بروج مشيّدة»، كما قال «داعش» في بيانه بعد تنفيذ «غزوة باريس»!

 

 

ولا يُستبعد أن تُستعاد غضبة «المعتصم» وهو ينتصر، كما تبلغ الروايات التاريخية، للمرأة المسلمة التي كانت استنجدت بالخليفة العبّاسي من الروم، فحرّك على إثرها المعتصم آنذاك جيشه لنجدتها. فقد شكت، أخيراً، الفتاة المصرية المحجّبة، ليلى، من التهديد الذي لقيته، وهي تعمل في متجرها في حي بروكلن بنيويورك، من شخص يرفض التعامل معها ويتّهمها بـ «الإرهابية»، في حين يرفض رجل آخر إفساح المجال أمامها كي تمرّ بسيارتها بعد توقفها أمام الإشارة الضوئية، قائلاً لها وهو يدقّ بقبضته على زجاج سيارتها الأمامي: «لماذا لا تعودين إلى بلادك، أليس هذا أفضل لك ولنا»؟!

 

 

الواضح أن ثمّة رغبات مشتركة ومتداخلة لشيطنة الآخر واختزاله وحشره في زاوية يسهل فيها تصنيفه تمهيداً لخلق رأي عام ضده، وهذا ما ظهر في اللحظات الأولى من اعتداءات باريس، حينما نقلت «رويترز» عما أسمتها «مصادر قريبة من التحقيقات في هجمات باريس، أنه تمّ العثور على جواز سفر سوري بجوار جثة أحد الانتحاريين الذين فجّروا أنفسهم مساء الجمعة قرب ستاد فرنسا في العاصمة باريس»، وهو ما استدعى على الفور عاصفة من التهكّم على مواقع التواصل الاجتماعي: «المنفذ كان جاي يقدم على وظيفة إرهابي، وجايب معه جواز سفر وصورتين شخصيتين وورقة استبابة»!

 

 

أين سيضرب «داعش» هذا المساء؟!

 

 

في مقدورنا أن نلهج بالدعاء ألاّ يحدث ذلك. وفي المقابل، سيلهج بالدعاء «ذئبٌ متفرد» يحلم بتذوّق طعم الجنّة!